والظاهر أن الضمير في ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ عائد على الله تعالى. واختلفوا في هذا القول ما المراد بالنور المضاف إليه تعالى. فقيل : الآيات البينات في قوله ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ﴾ وقيل : الإيمان المقذوف في قلوب المؤمنين. وقيل : النور هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقيل : النور هنا المؤمن. وقال كعب وابن جبير : الضمير في ﴿نُورِهِ﴾ عائد على محمد صلى الله عليه وسلّم، أي مثل نور محمد. وقال أبيّ : هو عائد على المؤمنين وفي قراءته مثل نور المؤمن. وروي أيضاً فيها مثل نور من آمن به. وقال الحسن : يعود على القرآن والإيمان وهذه الأقوال الثلاثة عاد فيها الضمير على غير مذكور، ونقلت المعنى المقصود بالآية بحلاف عوده على الله تعالى، ولذلك قال مكي يوقف على ﴿وَالارْضِ﴾ في تلك الأقوال الثلاثة. واختلفوا في هذا التشبيه أهو تشبيه جملة بجملة لا يقصد فيها إلى تشبيه جزء بجزء ومقابلة شيء بشيء، أو مما قصد به ذلك أي مثل نور الله الذي هو هداه واتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، أي مثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر. وقيل : هو من التشبيه المفصل المقابل جزءاً بجزء، وقرروه على تلك الأقوال الثلاثة أي ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ في محمد أو في المؤمن أو في القرآن والإيمان ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ فالمشكاة هو الرسول أو صدره هو النبوة وما يتصل بها من علمه وهداه و﴿زُجَاجَةٍا الزُّجَاجَةُ﴾ قلبه. والشجرة المباركة الوحي والملائكة رسل الله إليه، وشبه الفصل به بالزيت وهو الحجج والبراهين والآيات التي تضمنها الوحي وعلى قول المؤمن فالمشكاة صدره و﴿الْمِصْبَاحُ﴾ الأيمان والعلم. و﴿الزُّجَاجَةُ﴾ قلبه والشجرة القرآن وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها. قال أبيّ : فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، وعلى قول الإيمان والقرآن أي مثل الإيمان والقرآن في صدر المؤمن في قلبه ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين، لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
وقال الزمخشري : أي صفة ﴿نُورِهِ﴾ لعجيبة الشأن في الإضاءة
٤٥٥
﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ أي كصفة مشكاة انتهى. ويظهر لي أن قوله ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ هو على حذف مضاف أي ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ مثل نور مشكاة وتقدّم في المفردات أن المشكاة هي الكوة غير النافذة، وهو قول ابن جبير وسعيد بن عياض والجمهور. وقال أبو موسى : المشكاة الحديدة والرصاصة التي تكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة. وقال مجاهد : المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه، وقال أيضاً الحدائد التي تعلق فيها القناديل.
﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ أي سراج ضخم، والظاهر أن ﴿الزُّجَاجَةُ﴾ ظرف للمصباح لقوله ﴿الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ﴾ وقدره الزمخشري في زجاج شامي، وكان عنده أصفى الزجاج هو الشامي ولم يقيد في الآية. وقرأ أبو رجاء ونصر بن عاصم ﴿فِى زُجَاجَةٍا الزُّجَاجَةُ﴾ بكسر الزاي فيهما، وابن أبي عبلة ونصر بن عاصم في رواية ابن مجاهد بفتحها. ﴿كَأَنَّهَا﴾ أي كأن الزجاجة لصفاء جوهرها وذاتها وهو أبلغ في الإنارة، ولما احتوت عليه من نور المصباح.


الصفحة التالية
Icon