﴿كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ﴾ قال الضحاك : هو الزهرة شبه الزجاجة في زهرتها بأحد الدراري من الكواكب المشاهير، وهي المشتري، والزهرة، والمريخ، وسهيل ونحو ذلك. وقرأ الجمهور من السبعة نافع وابن عامر وحفص وابن كثير ﴿دُرِّىٌّ﴾ بضم الدال وتشديد الراء والياء، والظاهر نسبة الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، ويحتمل أن يكون أصله الهمز فأبدل وأدغم. وقرأ قتادة وزيد بن عليّ والضحاك كذلك إلاّ أنهما فتحا الدال. وروى ذلك عن نصر بن عاصم وأبي رجاء وابن المسيب. وقرأ الزهري كذلك إلاّ أنه كسر الدال. وقرأ حمزة كذلك إلاّ أنه همز من الدرء بمعنى الدفع، أي يدفع بعضها بعضاً، أو يدفع ضوؤها خفاءها ووزنها فعيل. قيل : ولا يوجد فعيل إلاّ قولهم مريق للعصفر ودريء في هذه القراءة. قيل : وسرية إذا قيل إنها مشتقة من السرور، وأبدل من أحد المضعفات الياء فأدغمت فيها ياء فعيل، وسمع أيضاً مريخ للذي في داخل القرن اليابس بضم الميم وكسرها. وقيل : منه عليه. وقيل :﴿دُرِّىٌّ﴾ ووزنه في الأصل فعول كسبوح فاستثقل الضم فرد إلى الكسر، وكذا قيل في سرته ودرته. وقرأ أبو عمرو والكسائي كذلك إلاّ أنه كسر الدال وهو بناء كثير في الأسماء نحو سكين وفي الأوصاف سكير. وقرأ قتادة أيضاً وأبان بن عثمان وابن المسيب وأبو رجاء وعمرو بن فائد والأعمش ونصر بن عاصم كذلك إلاّ أنه بفتح الدال. قال ابن جني : وهذا عزيز لم يحفظ منه إلاّ السكينة بفتح السين وشدّ الكاف انتهى. وفي الأبنية حكى الأخفش كوكب دريء من درأته ودرية وعليك بالسكينة والوقار عن أبي زيد. وحكى الفراء بكسر السين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
وقرأ الأخوان وأبو بكر والحسن وزيد بن عليّ وقتادة وابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش بضم التاء أي ﴿زُجَاجَةٍا الزُّجَاجَةُ﴾ مضارع أوقدت مبيناً للمفعول، ونافع وابن عامر وحفص كذلك إلاّ أنه بالياء أي ﴿الْمِصْبَاحُ﴾ وابن كثير وأبو عمرو بفتح الأربعة فعلاً ماضياً أي ﴿مِصْبَاحٌا الْمِصْبَاحُ﴾. والحسن والسلمي وقتادة وابن محيصن وسلام ومجاهد وابن أبي إسحاق والمفضل عن عاصم كذلك إلاّ أنه بضم الدال مضارع وأصله تتوقد أي ﴿زُجَاجَةٍا الزُّجَاجَةُ﴾. وقرأ عبد الله وقد بغير تاء وشدد القاف جعله فعلاً ماضياً أي وقد المصباح. وقرأ السلمي وقتادة وسلام أيضاً كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت. وجاء كذلك عن الحسن وابن محيصن، وأصله يتوقد أي ﴿الْمِصْبَاحُ﴾ إلاّ أن حذف الياء في يتوقد مقيس لدلالة ما أبقى على ما حذف. وفي ﴿يُوقَدُ﴾ شاذ جدّاً لأن الياء الباقية لا تدل على التاء المحذوفة، وله وجه من القياس وهو حمله على يعد إذ حمل يعد وتعد وأعد في حذف الواو كذلك هذ لما حذفوا من تتوقد بالتاءين حذفوا التاء مع الياء وإن لم يكن اجتماع التاء والياء مستثقلاً.
﴿مِن شَجَرَةٍ﴾ أي من زيت شجرة، وهي شجرة الزيتون. ﴿مُّبَـارَكَةٍ﴾ كثيرة المنافع أو لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل : بارك فيها
٤٥٦
للعالمين. وقيل : بارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم عليه السلام، والزيتون من أعظم الشجر ثمراً ونماء واطراد أفنان ونضارة أفنان. وقال أبو طالب :
بورك الميت الغريب كمابورك نضر الرمان والزيتون
﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾. قال ابن زيد : هي من شجر الشام فهي ليست من شرق الأرض ولا من غربها، لأن شجر الشام أفضل الشجر. وقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم : هي في منكشف من الأرض تصيبها الشمس طول النهار تستدير عليها، فليست خالصة للشرق فتسمى ﴿شَرْقِيَّةٍ﴾، ولا للغرب فتسمى ﴿غَرْبِيَّةٍ﴾ وقال الحسن : هذا مثل وليست من شجر الدنيا إذ لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية. وعن ابن عباس : أنها في درجة أحاطت بها فليست منكشفة لا من جهة الشرق ولا من جهة الغرب، وهذا لا يصح عن ابن عباس لأنها إذا كانت بهذه الصفة فسد جناها. وقال ابن عطية : إنها في وسط الشجر لا تصيبها الشمس طالعة ولا غاربة، بل تصيبها بالغداة والعشي. وقال عكرمة : هي من شجر الجنة. وقال ابن عمر : الشجرة مثل أي إنها ملة إبراهيم ليست بيهودية ولا نصرانية. وقيل : ملة الإسلام ليست بشديدة ولا لينة. وقيل : لا مضحى ولا مفيأة، ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها، وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
و ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ بدل من ﴿شَجَرَةٍ﴾ وجوز بعضهم فيه أن يكون عطف بيان، ولا يجوز على مذهب البصريين لأن عطف البيان عندهم لا يكون إلاّ في المعارف، وأجاز الكوفيون وتبعهم الفارسي أنه يكون في النكرات. و﴿لا شَرْقِيَّةٍ﴾ ﴿وَلا﴾ على ﴿غَرْبِيَّةٍ﴾ على قراءة الجمهور بالخفض صفة لزيتونة. وقرأ الضحاك بالرفع أي لا هي شرقية ولا غربية، والجملة في موضع الصفة.


الصفحة التالية
Icon