﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ مبالغة في صفاء الزيت وأنه لإشراقه وجودته يكاد يضيء من غير نار. والجملة من قوله ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ حالية معطوفة على حال محذوفة أي ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ﴾ في كل حال ولو في هذه الحال التي تقتضي أنه لا يضيء لانتفاء مس النار له، وتقدم لنا أن هذا العطف إنما يأتي مرتباً لما كان لا ينبغي أن يقع لامتناع الترتيب في العادة وللاستقصاء حتى يدخل ما لا يقدر دخوله فيما قبله نحو :"أعطوا السائل ولو جاء على فرس، ردوا السائل ولو بظلف محرق". وقرأ الجمهور :﴿تَمْسَسْهُ﴾ بالتاء وابن عباس والحسن بالياء من تحت، وحسنه الفصل وأن تأنيث النار مجازي وهو مؤنث بغير علامة.
﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ أي متضاعف تعاون عليه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، فلم يبق مما يقوى النور ويزيده إشراقاً شيء لأن المصباح إذا كان في مكان ضيق كان أجمع لنوره بخلاف المكان المتسع، فإنه ينشر النور، والقنديل أعون شيء على زيادة النور وكذلك الزيت وصفاؤه، وهنا تم المثال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
ثم قال ﴿يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِا مَن يَشَآءُ﴾ أي لهداه والإيمان من يشاء هدايته ويصطفيه لها. ومن فسر ﴿النُّورُ﴾ في ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ بالنبوة قدر يهدي الله إلى نبوته. وقيل : إلى الاستدلال بالآيات، ثم ذكر تعالى أنه يضرب الأمثال للناس ليقع لهم العبرة والنظر المؤدّي إلى الإيمان، ثم ذكر إحاطة علمه بالأشياء فهو يضع هداه عند من يشاء. ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ متعلق بيوقد قاله الرماني، أو في موضع الصفة لقوله ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ أي كمشكاة في بيوت قاله الحوفي، وتبعه الزمخشري قال ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾ في بعض بيوت الله وهي المساجد. وقال ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت انتهى. وقوله كأنه إلى آخره تفسير معنى لا تفسير إعراب أو في موضع الصفة لمصباح أي مصباح ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ قاله بعضهم أو في موضع الصفة لزجاجة قاله بعضهم، وعلى هذه الأقوال الأربعة لا يوقف على قوله ﴿عَلِيمٌ﴾. وقيل :﴿فِى بُيُوتٍ﴾ مستأنف والعامل فيه ﴿يُسَبِّحُ﴾ حكاه أبو حاتم وجوزه الزمخشري. فقال : وقد ذكر تعلقه
٤٥٧
بكمشكاة قال : أو بما بعده وهو ﴿يُسَبِّحُ﴾ أي ﴿يُسَبِّحُ لَهُ﴾ رجال في بيوت وفيها تكرير كقولك زيد في الدار جالس فيها أو بمحذوف كقوله ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى﴾ أي سبحوا في بيوت انتهى. وعلى هذا الأقوال الثلاثة يوقف على قوله ﴿عَلِيمٌ﴾ والذي اختاره أن يتعلق ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ بقوله ﴿يُسَبِّحُ﴾ وإن ارتباط هذه بما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر حال من حصلت له الهداية لذلك النور وهم المؤمنون، ثم ذكر أشرف عبادتهم القلبية وهو تنزيههم الله عن النقائص وإظهار ذلك بالتلفظ به في مساجد الجماعات، ثم ذكر سائر أوصافهم من التزام ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وخوفهم ما يكون في البعث. ولذلك جاء مقابل المؤمنين وهم الكفار في قوله ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وكأنه لما ذكرت الهداية للنور جاء في التقسيم لقابل الهداية وعدم قابلها، فبدىء بالمؤمن وما تأثر به من أنواع الهدى ثم ذكر الكافر. والظاهر أن قوله ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ أريد به مدلوله من الجمعية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
وقال الحسن : أريد به بيت المقدس، وسمى بيوتاً من حيث فيه يتحيز بعضها عن بعض، ويؤثر أن عادة بني إسرائيل في وقيده في غاية التهمم والزيت مختوم على ظروفه وقد صنع صنعة وقدس حتى لا يجري الوقيد بغيره، فكان أضوأ بيوت الأرض. والظاهر أن ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ مطلق فيصدق على المساجد والبيوت التي تقع فيها الصلاة والعلم. وقال مجاهد : بيوت الرسول صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن عباس والحسن أيضاً ومجاهد : هي المساجد التي من عادتها أن تنور بذلك النوع من المصابيح. وقيل : الكعبة وبيت المقدس ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ومسجد قباء. وقيل : بيوت الأنبياء. ويقوي أنها المساجد قوله ﴿يُسَبِّحُ لَه فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ﴾ وإذنه تعالى وأمره بأن ﴿تُرْفَعَ﴾ أي يعظم قدرها قاله الحسن والضحاك. وقال ابن عباس ومجاهد : تبنى وتعلى من قوله ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِامُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـاعِيلُ﴾. وقيل :﴿تُرْفَعَ﴾ تظهر من الأنجاس والمعاصي. وقيل :﴿تُرْفَعَ﴾ أي ترفع فيها الحوائج إلى الله. وقيل :﴿تُرْفَعَ﴾ الأصوات بذكر الله وتلاوة القرآن.


الصفحة التالية
Icon