﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ ظاهره مطلق الذكر فيعم كل ذكر عموم البدل. وعن ابن عباس : توحيده وهو لا إله إلاّ الله. وعنه : يتلى فيها كتابه. وقيل : أسماؤه الحسنى. وقيل : يصلى فيها. وقرأ الجمهور ﴿يُسَبِّحُ﴾ بكسر الباء وبالياء من تحت، وابن وثاب وأبو حيوة كذلك إلاّ أنه بالتاء من فوق، وابن عامر وأبو بكر والبحتري عن حفص ومحبوب عن أبي عمرو والمهال عن يعقوب والمفضل وأبان بفتحها وبالياء من تحت واحد المجرورات في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله، والأولى الذي يلي الفعل لأن طلب الفعل للمرفوع أقوى من طلبه للمنصوب الفضلة. وقرأ أبو جعفر : تسبح بالتاء من فوق وفتح الباء.
وقال الزمخشري : ووجهها أن تسند إلى أوقات الغدو والآصال على زيادة الباء، وتجعل الأوقات مسبحة. والمراد بها كصيد عليه يومان والمراد وحشهما انتهى. ويجوز أن يكون المفعول الذي لم يسم فاعله ضمير التسبيحة الدال عليه ﴿تُسَبِّحُ﴾ أي تسبح له هي أي التسبيحة كما قالوا ﴿لِيَجْزِىَ قَوْمَا ﴾ في قراءة من بناء للمفعول أي ليجزي هو أي الجزاء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
وقرأ أبو مجلز : والإيصال وتقدم نظيره وارتفع ﴿رِجَالٌ﴾ على هاتين القراءتين على الفاعلية بإضمار فعل أي ﴿يُسَبِّحُ﴾ أو يسبح له رجال. واختلف في اقتياس هذا، فعلى اقتياسه نحو ضربت هند زيد أي ضربها زيد، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي المسبح رجال. وتقدم الكلام في تفسير الغدو والآصال والمراد بهما.
ثم ذكر تعالى وصف المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمر الله وطلبهم رضاه لا يشتغلون عن ذكر الله واحتمل قوله ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ﴾ وجهين : أحدهما : أنهم لا تجارة لهم ولا بيع فيلهيهم عن ذكر الله كقوله :
على لا حب لا يهتدى بمناره
أي لا منار له فيهتدى به. والثاني :
٤٥٨
أنهم ذوو تجارة وبيع ولكن لا يشغلهم ذلك عن ذكر الله وعما فرض عليهم، والظاهر مغايرة التجارة والبيع، ولذلك عطف فاحتمل أن تكون تجارة من إطلاق العام ويراد به الخاص، فأراد بالتجارة الشراء ولذلك قابله بالبيع، أو يراد تجارة الجلب ويقال : تجر فلان في كذا إذا جلبه وبالبيع البيع بالأسواق، ويحتمل أن يكون ﴿وَلا بَيْعٌ﴾ من ذكر خاص بعد عام، لأن التجارة هي البيع والشراء طلباً للريح. ونبه على هذا الخاص لأنه في الإلهاء أدخل من قبل أن التاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكلية من صناعته ألهته ما لا يلهيه شيء يتوقع فيه الريح لأن هذا يقين وذاك مطنون. قال الزمخشري : التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للإعلال والأصل أقوام، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض فأسقطت ونحوه :
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
انتهى. وهذا الذي ذكر من أن التاء سقطت لأجل الإضافة هو مذهب الفراء ومذهب البصريين، أن التاء من نحو هذا لا تسقط للإضافة وتقدم لنا الكلام على ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ﴾ في الأنبياء وصدر البيت الذي أنشد عجزه قوله : إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
وقد تأول خالد بن كلثوم قوله عدا الأمر على أنه جمع عدوة، والعدوة الناحية كأن الشاعر أراد نواحي الأمر وجوانبه. ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا﴾ هو يوم القيامة، والظاهر أن معنى ﴿تَتَقَلَّبُ﴾ تضطرب من هول ذلك اليوم كما قال تعالى ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الابْصَـارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ فتقلبها هو قلقها واضطرابها، فتتقلب من طمع في النجاة إلى طمع ومن حذر هلاك إلى هلاك. وهذا المعنى تستعمله العرب في الحروب كقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣
بل كان قلبك في جناحي طائر
ويبعد قول من قال ﴿تَتَقَلَّبُ﴾ على جمر جهنم لأن ذلك ليس في يوم القيامة بل بعده. وقول من قال إن تقلبها ظهور الحق لها أي فتتقلب عن معتقدات الضلال إلى اعتقاد الحق على وجهه فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعاً عليها، وتبصر الأبصار بعد أن كانت عمياً والقول الأول أبلغ في التهويل. وقرأ ابن محيصن : تُقلب بإدغام التاء في التاء. واللام في ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾ متعلقة بمحذوف أي فعلوا ذلك ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾ ويجوز أن تتعلق بيسبح وهو الظاهر. وقال الزمخشري : والمعنى يسبحون ويخافون ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾ انتهى. والظاهر أن قوله ﴿يَخَافُونَ﴾ صفة لرجال كما أن ﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾ كذلك. ﴿أَحْسَنُ﴾ هو على حذف مضاف أي ثواب أحسن ما عملوا، أو ﴿أَحْسَنُ﴾ جزاء ما عملوا. ﴿وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِا﴾ على ما تقتضيه أعمالهم، فأهل الجنة أبداً في مزيد. وقال الزمخشري :﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾ ثوابهم مضاعفاً ﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾ على الثواب تفضيلاً وكذلك معنى قوله ﴿الْحُسْنَى ﴾ وزيادة المثوبة الحسنى، وزيادة عليها من التفضل وعطاء الله عز وجل إما تفضل وإما ثواب وإما عوض.
﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ ما يتفضل به ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فأما الثواب فله حسنات لكونه على حسب الاستحقاق انتهى. وفي قوله على حسب الاستحقاق دسيسة اعتزال.


الصفحة التالية
Icon