وقرأ الجمهور ﴿سَنَا﴾ مقصوراً ﴿بَرْقِهِ﴾ مفرداً. وقرأ طلحة بن مصرف سناء ممدوداً ﴿بَرْقِهِ﴾ بضم الباء وفتح الراء جمع برقه بضم الباء، وهي المقدار من البرق كالغرفة واللقمة، وعنه بضم الباء والراء اتبع حركة الراء لحركة الباء كما اتبعت في ﴿ظُلُمَـاتِ﴾ وأصلها السكون. والسناء بالمدّ ارتفاع الشأن كأنه شبه المحسوس من البرق لارتفاعه في الهواء بغير المحسوس من الإنسان، فإن ذلك صيب لا يحس به بصر. وقرأ الجمهور ﴿يَذْهَبُ﴾ بفتح الياء والهاء وأبو جعفر ﴿يَذْهَبُ﴾ بضم الياء وكسر الهاء. وذهب الأخفش وأبو حاتم إلى تخطئة أبي جعفر في هذه القراءة قالا : لأن الياء تعاقب الهمزة وليس بصواب لأنه لم يكن ليقرأ إلاّ بما روي. وقد أخذ القراءة عن سادات التابعين الآخذين عن جلة الصحابة أُبيّ وغيره، ولم ينفرد بها أبو جعفر بل قرأه شيبة كذلك وخرج ذلك على زيادة الباء أي يذهب الأبصار. وعلى أن الباء بمعنى من والمفعول محذوف تقديره يذهب النور من الأبصار كما قال :
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
يريد من برد. وتقليب الليل والنهار آيتان أحدهما بعد الآخر أو زيادة هذا وعكسه، أو يغير النهار بظلمة السحاب مرة وضوء الشمس أخرى، ويغير الليل باشتداد ظلمته مرة وضوء القمر أخرى، أو باختلاف ما يقدر فيهما من الخير والنفع والشدة والنعمة والأمن ومقابلاتها ونحو ذلك أقوال أربعة إن في ذلك إشارة إلى ما تقدم من الدلائل الدالة على وحدانيته من تسبيح من ذكر وتسخير السحاب. وما يحدثه تعالى فيه من أفعاله حتى ينزل المطر فيقسم رحمته بين خلقه وإراءتهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف الأبصار ويقلب الليل والنهار.
﴿لَعِبْرَةً﴾ أي اتّعاظاً. وخص أولو الأبصار بالاتّعاظ لأن البصر والبصيرة إذا استعملا وصلا إلى إدراك الحق كقوله ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾.
وقرأ الجمهور ﴿خُلِقَ﴾ فعلاً ماضياً. ﴿كُلِّ﴾ نصب. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش خالق اسم فاعل مضاف إلى ﴿كُلِّ﴾. والدابة : ما يحرك أمامه قدماً ويدخل فيه الطير. قال الشاعر :
دبيب قطا البطحاء في كل منهل
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٣
والحوت وفي الحديث :"دابة من البحر مثل الظرب". واندرج في ﴿كُلَّ دَآبَّةٍ﴾ المميز وغيره، فسهل التفصيل بمن التي لمن يعقل وما لا يعقل إذا كان مندرجاً في العام، فحكم له بحكمه كان الدواب كلهم مميزون. والظاهر أن ﴿مِن مَّآءٍ﴾ متعلق بخلق. و﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية، أي ابتدأ خلقها من الماء. فقيل : لما كان غالب الحيوان مخلوقاً من الماء لتولده من النطفة أو لكونه لا يعيش إلاّ بالماء أطلق لفظ ﴿كُلِّ﴾ تنزيلاً للغالب منزلة العام، ويخرج عما خلق من ماء ما خلق من نور وهم الملائكة، ومن نار وهم الجنّ، ومن تراب وهم آدم. وخلق عيسى من الروح وكثير من الحيوان لا يتولد من نطفة. وقيل ﴿كُلَّ دَآبَّةٍ﴾ على العموم في هذه الأشياء كلها وإن أصل جميع المخلوقات الماء، فروي أن أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماءً، ثم خلق من ذلك الماء النار والهواء والنور، ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء قال :﴿خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ﴾. وقال القفال : ليس ﴿مِن مَّآءٍ﴾ متعلقاً بخلق وإنما هو في موضع الصفة لكل دابة، فالمعنى الإخبار أنه تعالى خلق كل دابة متولدة من الماء أي متولدة من الماء مخلوقة لله تعالى. ونكر الماء هنا وعرف في ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾ لأن المعنى هنا
٤٦٥


الصفحة التالية
Icon