وقرأ الجمهور ﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ بتاء الخطاب والتقدير، ﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ أيها المخاطب ولا يندرج فيه الرسول، وقالوا : هو خطاب للرسول وليس بجيد لأن مثل هذا الحسبان لا يتصوّر وقوعه فيه عليه السلام. وقرأ حمزة وابن عامر لا يحسبن بالياء للغيبة، والتقدير لا يحسبن حاسب، والرسول لا يندرج في حاسب وقالوا : يكون ضمير الفاعل للرسول لتقدم ذكره في ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ قاله أبو عليّ والزمخشري وليس بجيد لما ذكرناه في قراءة التاء. وقال النحاس : ما علمت أحداً من أهل العربية بصرياً ولا كوفياً إلاّ وهو يخطىء قراءة حمزة، فمنهم من يقول : هي لحن لأنه لم يأت إلاّ بمفعول واحد ليحسبن، وممن قال هذا أبو حاتم انتهى. وقال الفرّاء : هو ضعيف وأجازه على حذف المفعول الثاني وهو قول البصريين تقديره أنفسهم. و﴿مُعَـاجِزِينَ﴾ المفعول الثاني.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦
وقال عليّ بن سليمان :﴿الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ في موضع نصب قال : ويكون المعنى ولا يحسبن الكافر ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ﴾. وقال الكوفيون :﴿مُعَـاجِزِينَ﴾ المفعول الأول. و﴿فِى الارْضِ﴾ الثاني قيل : وهو خطأ وذلك لأن ظاهر في ﴿الارْضُ﴾ تعلقه بمعجزين، فلا يكون مفعولاً ثانياً. وخرج الزمخشري ذلك متبعاً قول الكوفيين. فقال ﴿مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ﴾ هما المفعولان والمعنى لا يحسبن الذين كفروا أحداً يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا لهم في مثل ذلك، وهذا معنى قوي جيد انتهى. وقال أيضاً : يكون الأصل : لا يحسبنهم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ﴾ ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول، وكان الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشيء الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث انتهى. وقد رددنا هذا التخريج في آل عمران في قوله ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا ﴾ في قراءة من قرأ بياء الغيبة، وجعل الفاعل ﴿الَّذِينَ يَفْرَحُونَ﴾ وملخصه أنه ليس هذا من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يتقدر لا يحسبنهم إذ لا يجوز ظنه زيد قائماً على تقدير رفع زيد بظنه.
﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ قال الزمخشري : عطف على ﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ والمراد بهم المقسمون جهد أيمانهم انتهى. وقال صاحب النظام لا يحتمل أن يكون ﴿وَمَأْوَاهُمُ﴾ متصلاً بقوله ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ﴾ بل هم مقهورون ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ انتهى. واستبعد العطف من حيث إن ﴿لا تَحْسَبَنَّ﴾ نهي ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ جملة خبرية فلم يناسب عنده أن يعطف الجملة الخبرية على جملة النهي لتباينهما وهذا مذهب قوم. ولما أحسن الزمخشري بهذا قال : كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله فتأول جملة النهي بجملة خبرية حتى تقع المناسبة، والصحيح أن ذلك لا يشترط بل يجوز عطف الجمل على اختلافها بعضاً على بعض وإن لم تتحد في النوعية وهو مذهب سيبويه.
٤٧٠
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦
روي أن عمر بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج، وكان نائماً فدق عليه الباب ودخل، فاستيقظ
٤٧١
وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر : وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلاّ بإذن. ثم انطلق إلى الرسول فوجد هذه الآية قد نزلت فخرّ ساجداً. وقيل : نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قيل : دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا حالاً نكرهها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
﴿لِيَسْتَـاْذِنكُمُ﴾ أمر والظاهر حمله على الوجوب والجمهور على الندب. وقيل : بنسخ ذلك إذ صار للبيوت أبواب روي ذلك عن ابن عباس وابن المسيب والظاهر عموم ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ في العبيد والإماء دون العبيد. ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ﴾ عام في الأطفال عبيد كانوا أو أحراراً. وقرأ الحسن وأبو عمر وفي رواية وطلحة ﴿الْحُلُمَ﴾ بسكون اللام وهي لغة تميم. وقيل ﴿مِّنكُمْ﴾ أي من الأحرار ذكوراً كانوا أو إناثاً. والظاهر من قوله ﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ﴾ ثلاث استئذانات لأنك إذا ضربت ثلاث مرات لا يفهم منه إلاّ ثلاث ضربات ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام :"الاستئذان ثلاث" والذي عليه الجمهور أن معنى ﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ﴾ ثلاث أوقات وجعلوا ما بعده من ذكر تلك الأوقات تفسيراً لقوله ﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ﴾ ولا يتعين ذلك بل تبقى ﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ﴾ على مدلولها.


الصفحة التالية
Icon