﴿مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ﴾ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وقد ينكشف النائم. ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ﴾ لأنه وقت وضع الثياب للقائلة لأن النهار إذ ذاك يشتد حره في ذلك الوقت. و﴿مِنْ﴾ في ﴿مِّنَ الظَّهِيرَةِ﴾ قال أبو البقاء : لبيان الجنس أي حين ذلك هو الظهيرة، قال : أو بمعنى من أجل حر الظهيرة و﴿حِينٍ﴾ معطوف على موضع ﴿مِن قَبْلُ﴾ ﴿وَمِنا بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِ﴾ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم ﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾ سمى كل واحد منها عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها، والعورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان، والأعور المختل العين. وقرأ حمزة والكسائي ﴿ثَلَـاثَ﴾ بالنصب قالوا : بدل من ﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ﴾ وقدره الحوفي والزمخشري وأبو البقاء أوقات ﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ﴾ وقال ابن عطية : إنما يصح يعنى البدل بتقدير أوقات ﴿عَوْرَاتِ﴾ فحذف المضاف وقيم المضاف إليه مقامه. وقرأ باقي السبعة بالرفع أي هن ﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ﴾ وقرأ الأعمش ﴿عَوْرَاتِ﴾ بفتح الواو وتقدم أنها لغة هذيل بن مدركة وبني تميم وعلى رفع ﴿ثَلَـاثَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
قال الزمخشري : يكون ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ الجملة في محل رفع على الوصف والمعنى هن ﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ﴾ مخصوصة بالاستئذان، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلاماً مقرراً بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة.
﴿بَعْدَهُنَّ﴾ أي بعد استئذانهم فيهن حذف الفاعل وحرف الجر بفي بعد استئذانهن ثم حذف المصدر وقيل ﴿لَّيْسَ﴾ على العبيد والإماء ومن لم يبلغ الحلم في الدخول ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بغير استئذان ﴿جُنَاحٌ﴾ بعد هذه الأوقات الثلاث ﴿طَواَّفُونَ عَلَيْكُم﴾ يمضون ويجيؤون وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم ﴿طَواَّفُونَ﴾ أي المماليك والصغار ﴿طَواَّفُونَ عَلَيْكُم﴾ أي يدخلون عليكم في المنازل غدوة وعشية بغير إذن إلاّ في تلك الأوقات. وجوّزوا في ﴿بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أن يكون مبتدأ وخبراً لكن الجر قدروه طائف على بعض وهو كون مخصوص فلا يجوز حذفه. قال الزمخشري : وحذف لأن طوافون يدل عليه وأن يكون مرفوعاً بفعل محذوف تقديره يطوف بعضكم. وقال ابن عطية ﴿بَعْضُكُمْ﴾ بدل من قوله ﴿طَواَّفُونَ﴾ ولا يصح لأنه إن أراد بدلاً من ﴿طَواَّفُونَ﴾ نفسه فلا يجوز لأنه يصير التقدير هم ﴿بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ وهذا معنى لا يصح. وإن جعلته بدلاً من الضمير في ﴿طَواَّفُونَ﴾ فلا يصح أيضاً إن قدر الضمير ضمير غيبة لتقدير المبتدأ هم لأنه يصير التقدير هم يطوف ﴿بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
٤٧٢
وهو لا يصح. فإن جعلت التقدير أنتم يطوف ﴿عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ فيدفعه أن قوله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بدل على أنهم هم المطوف عليهم، وأنتم طوافون، يدل على أنهم طائفون فتعارضا. وقرأ ابن أبي عبلة طوافين بالنصب على الحال من ضمير ﴿عَلَيْهِم﴾. وقال الحسن : إذا بات الرجل خادمه معه فلا استئذان عليه ولا في هذه الأوقات الثلاثة.
﴿وَإِذَا بَلَغَ الاطْفَـالُ﴾ أي من أولادكم وأقربائكم ﴿فَلْيَسْتَـاْذِنُوا ﴾ أي في كل الأوقات فإنهم قبل البلوغ كانوا يستأذنون في ثلاث الأوقات. ﴿كَمَا اسْتَـاْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يعني البالغين. وقيل : الكبار من أولاد الرجل وأقربائه. ودل ذلك على أن الابن والأخ البالغين كالأجنبي في ذلك وتكلموا هنا فيما به البلوغ وهي مسألة تذكر في الفقه. كذلك الإشارة إلى ما تقدم ذكره من استئذان المماليك وغير البلغ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
ولما أمر تعالى النساء بالتحفظ من الرجال ومن الأطفال غير البلغ في الأوقات التي هي مظنة كشف عورتهن استثنى ﴿الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ اللاتي كبرن وقعدن عن الميل إليهن والافتتان بهن فقال ﴿وَالْقَوَاعِدُ﴾ وهو جمع قاعد من صفات الإناث. وقال ابن السكيت : امرأة قاعد قعدت عن الحيض. وقال ابن قتيبة : سُميِّن بذلك لأنهن بعد الكبر يكثرن القعود. وقال ربيعة لقعودهن عن الاستمتاع بهن فأيسن ولم يبق لهن طمع في الأزواج. وقيل قعدن عن الحيض والحبل. و﴿ثِيَابَهُنَّ﴾ الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار والملاء الذي فوق الثياب أو الخمر أو الرداء والخمار أقوال، ويقال للمرأة إذا كبرت امرأة واضع أي وضعت خمارها. ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتا بِزِينَةٍ﴾ أي غير متظاهرات بالزينة لينظر إليهن، وحقيقة التبرج إظهار ما يجب إخفاؤه أو غير قاصدات التبرج بالوضع، ورب عجوز يبدو منها الحرص على أن يظهر بها جمال.
﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ عن وضع الثياب ويتسترن كالشباب أفضل لهن. ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لما يقول كل قائل ﴿عَلِيمٌ﴾ بالمقاصد. وفي ذكر هاتين الصفتين توعد وتحذير.


الصفحة التالية
Icon