فإن يهلك أبو قابوس يهلكربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيشأجب الظهر ليس له سنام
يروى بجرم نأخذ ورفعه ونصبه. ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ قال الكرماني : المعنى ما منعهم من الإيمان أكلك الطعام ولا مشيك في السوق، بل منعهم تكذيبهم بالساعة. وقيل : ليس ما تعلقوا به شبهة بل الحامل على تكذبيك تكذبيهم بالساعة استثقالاً للاستعداد لها. وقيل : يجوز أن يكون متصلاً بما يليه كأنه قال ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب، وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة انتهى. وبل لترك اللفظ المتقدم من غير إبطال لمعناه. وأخذ في لفظ آخر ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ جعلناه معداً. ﴿سَعِيرًا﴾ ناراً كبيرة الإيقاد. وعن الحسن : اسم من أسماء جهنم. ﴿إِذَا رَأَتْهُم﴾ قيل هو حقيقة وإن لجهنم عينين وروي في ذلك أثر فإن صح كان هو القول الصحيح. وإلاّ كان مجازاً، أي صارت منهم بقدر ما يرى الرائي من البعد كقولهم : دورهم تتراءى أي تتناظر وتتقابل، ومنه : لا تتراءى ناراهما. وقال قوم : النار اسم لحيوان ناري يتكلم ويرى ويسمع ويتغير ويزفر حكاه الكرماني، وقيل : هو على حذف مضاف أي رأتهم جزنتها من مكان بعيد، قيل : مسيرة خمسمائة عام. وقيل : مائة سنة. وقيل : سنة ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ صوت تغيظ لأن التغيظ لا يسمع، وإذا كان على حذف المضاف كان المعنى تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم. وقيل ﴿سَمِعُوا ﴾ صوت لهيبها واشتعالها وقيل هو مثل قول الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٨
فيا ليت زوجك قد غدامتقلداً سيفاً ورمحاً
وهذا مخرج على تخريجين أحدهما الحذف أي ومعتقلاً رمحاً. والثاني تضمين ضمن متقلداً معنى متسلحاً فكذلك الآية أي ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ ورأوا ﴿تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ وعاد كل واحد إلى ما يناسبه. أو ضمن ﴿سَمِعُوا ﴾ معنى أدركوا فيشمل التغيظ والزفير. وانتصب ﴿مَكَانًا﴾ على الظرف أي في مكان ضيق. وعن ابن عباس : تضيق عليهم ضيق الزج في الرمح مقرنين قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل. وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد. وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمر وضيقاً. قال ابن عطية : وقرأ أبو شيبة صاحب معاذ بن جبل مقرنون بالواو وهي قراءة شاذة، والوجه قراءة الناس ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ﴿أُلْقُوا ﴾ بدل نكرة من معرفة ونصب على الحال، والظاهر دعاء الثبور وهي الهلاك فيقولون : واثبوراه أي يقال يا ثبور فهذا أوانك. وقيل : المدعو محذوف تقديره دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبوراً. والثبور قال ابن عباس : هو الويل، وقال الضحاك : هو الهلاك ومنه قول ابن الزبعري :
إذ يجاري الشيطان في سنن الغيومن مال ميله مثبور
﴿لا تَدْعُوا الْيَوْمَ﴾ يقول لهم ﴿لا تَدْعُوا ﴾ أو هم أحق أن يقال لهم ذلك وإن لم يكن هناك قول، أي لا تقتصروا على حزن واحد بل احزنوا حزناً كثيراً وكثرته إما لديمومة العذاب فهو متجدداً دائماً، وإما لأنه أنواع وكل نوع يكون منه ثبور لشدته وفظاعته. وقرأ عمرو بن محمد ﴿ثُبُورًا﴾ بفتح الثاء في ثلاثتها وفعول بفتح الواو في المصادر قليل نحو البتول. وحكى عليّ بن عيسى : ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك. كأنهم دعوا بما فعلوا فقالوا : واصرفاه عن طاعة الله كما تقول : واندامتاه. روي أن أول ما ينادي بذلك إبليس يقول : واثبوراه حتى يكسى حلة من جهنم يضعها على جبينه ويسحبها من خلفه، ثم يتبعه في القول أتباعه فيقول لهم خزان جهنم ﴿لا تَدْعُوا ﴾. وقيل : نزلت في ابن خطل وأصحابه. والظاهر أن الإشارة
٤٨٥
بذلك إلى النار وأحوال أهلها. وقيل إلى الجنة والكنز في قولهم. وقيل إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة و﴿خَيْرٌ﴾ هنا ليست تدل على الأفضلية بل هي على ما جرت عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٨
شع فشركما لخيركما الفداء
وكقول العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادة. وكقوله ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ﴾ وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ.
قال ابن عطية : ومن حيث كان الكلام استفهاماً جاز فيه مجيء لفظه للتفضيل بين الجنة والنار في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ، وإنما منع سيبويه وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبراً لأن فيه مخالفة، وأما إذا كان استفهاماً فذلك سائغ انتهى. وما ذكره يخالفه قوله :
فشركما لخيركما الفداء