وقوله ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ﴾ فإن هذا خبر. وكذلك قولهم : العسل أحلى من الخل إلاّ إن تقيد الخبر بأنه إذا كان واضحاً الحكم فيه للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد أيهما أفضل فإنه يجوز. وضمير ﴿الَّتِى ﴾ محذوف أي وعدها وضمير ﴿مَا يَشَآءُونَ﴾ كذلك أي ما يشاؤونه وفي قوله ما يشاؤنه دليل على أن حصول المرادات بأسرها لا تكون ألاّ في الجنة. وشمل قوله ﴿جَزَآءً وَمَصِيرًا﴾ الثواب ومحله كما قال ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ وفي ضده ﴿بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ لأنه بطيب المكان يتضاعف النعيم، كما أنه برداءته يتضاعف العذاب ﴿وَعْدًا﴾ أي موعوداً ﴿مَسْئولا﴾ سألته الملائكة في قولهم ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ﴾ قاله محمد بن كعب والناس في قولهم ﴿رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً﴾ وقال معناه ابن عباس وابن زيد.
وقال الفراء :﴿وَعْدًا مَّسْئُولا﴾ أي واجباً يقال لأعطينك ألفاً وعداً مسؤولاً أي واجباً، وإن لم يسأل. قيل : وما قاله الفراء محال انتهى. وليس محالاً إذ يكون المعنى أنه ينبغي أن يسأل هذا الوعد الذي وعدته أو بصدد أن يسأل أي من حقه أن يكون مسؤولاً. و﴿عَلَى رَبِّكَ﴾ أي بسبب الوعد صار لا بد منه. وقال الزمخشري : كان ذلك موعوداً واجباً على ربك انجازه حقيقاً أن يسأل. ويطلب لأنه جزاء وأجر مستحق، وهذا على مذهب المعتزلة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٨
٤٨٦
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَـانَكَ مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمَا بُورًا﴾.
قرأ أبو جعفر والأعرج وابن كثير وحفص ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ و﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء فيهما. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر بالنون فيهما. وقرأ باقي السبعة في نحشرهم بالنون
٤٨٧
وفي ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء. وقرأ الأعرج ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ بكسر الشين. قال صاحب اللوامح في كل القرآن وهو القياس في الأفعال المتعدية الثلاثية لأن يفعل بضم العين قد يكون من اللازم الذي هو فعل بضمها في الماضي. وقال ابن عطية : وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين المتعدي أقيس من يفعل بضم العين انتهى. وهذا ليس كما ذكر ابل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ولا حلقى عين ولا لام فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيراً، فإن شهر أحد الاستعمالين اتبع وإلاّ فالخيار حتى أن بعض أصحابنا خير فيهما سمعاً للكلمة أو لم يسمعا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦


الصفحة التالية
Icon