وقال ابن عطية : ويضعف هذه القراءة دخول ﴿مَنِ﴾ في قوله ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره. وقال أبو الفتح ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ في موضع الحال ودخلت ﴿مَنِ﴾ زيادة لمكان النفي المتقدم كما تقول : ما اتخذت زيداً من وكيل. وقيل ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ هو الثاني على زيادة ﴿مَنِ﴾ وهذا لا يجوز عند أكثر النحويين إنما يجوز دخولها زائدة على المفعول الأول بشرطه. وقرأ الحجاج أن نتخذ من دونك أولياء فبلغ عاصماً فقال : مقت المخدّج أو ما علم أن فيها ﴿مَنِ﴾ ولما تضمن قولهم ﴿مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ أنّا لم نضلهم ولم نحملهم على الامتناع من الإيمان صلح أن يستدرك بلكن، والمعنى لكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعم وأطلت أعمارهم وكان يجب عليهم شكرها والإيمان بما جاءت به الرسل، فكان ذلك سبباً للإعراض عن ذكر الله. قيل : ولكن متعتهم كالرمز إلى ما صرح به موسى من قوله ﴿إِنْ هِىَ إِلا فِتْنَتُكَ﴾ أي أنت الذي أعطيتهم مطالبهم من الدنيا حتى صاروا غرقى في بحر الشهوات فكان صارفاً لهم عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك و﴿الذِّكْرِ﴾ ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء أو الكتب المنزلة أو القرآن. والبور : قيل مصدر يوصف به الواحد والجمع. وقيل : جمع بائر كعائذ وعوذ. قيل : معناه هلكى. وقيل : فدى وهي لغة الأزد يقولون : أمر بائر أي فاسد، وبارت البضاعة : فسدت. وقال الحسن : لا خير فيهم من قولهم أرض بور أي معطلة لا نبات فيها. وقيل ﴿بُورًا﴾ عمياً عن الحق.
﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُم﴾ هذا من قول الله بلا خلاف وهي مفاجأة، فالاحتجاج والإلزام حسنة رابعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وهو على إضمار القول كقوله ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكَـافِرِينَ * إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَآءَكُمُ﴾ أي فقلنا قد جاءكم. وقول الشاعر :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بناثم القفول فقد جئنا خراسانا
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦
أي فقلنا قد جئنا وكذلك هذا أي فقلنا قد كذبوكم، فإن كان المجيب الأصنام فالخطاب للكفار أي قد كذبتكم معبوداتكم من الأصنام بقولهم ﴿مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ﴾ وإن كان الخطاب للمعبودين من العقلاء عيسى والملائكة وعزير عليهم السلام، وهو الظاهر لتناسق الخطاب مع قوله ﴿أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى﴾ أي كذبكم المعبودون ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي بقولهم أنكم أضللتموهم، وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله. ومن قرأ ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بتاء الخطاب فالمعنى فيما تقولون أي ﴿سُبْحَـانَكَ مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾. وقيل : الخطاب للكفار العابدين أي كذبكم المعبودون بما تقولون من الجواب. ﴿سُبْحَـانَكَ مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ﴾ أو فيما تقولون أنتم من الافتراء عليهم خوطبوا على جهة التوبيخ والتقريع. وقيل : هو خطاب للمؤمنين في الدنيا أي قد كذبكم أيها المؤمنون الكفار في الدنيا فيما تقولونه من التوحيد والشرع. وقرأ الجمهور ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء من فوق. وأبو حيوة وابن الصلت عن قنبل بالياء من تحت.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بتاء الخطاب، ويؤيد هذه القراءة
٤٨٩
أن الخطاب في ﴿كَذَّبُوكُم﴾ للكفار العابدين. وذكر عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ بما يقولون فما يستطيعون بالياء فيهما أي هم. ﴿صَرْفًا﴾ أي صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال، هذا إن كان الخطاب في ﴿كَذَّبُوكُم﴾ للكفار فالتاء جارية على ذلك، والياء التفات وإن كان للمعبودين فالتاء التفات. والياء جارية على ضمير ﴿كَذَّبُوكُم﴾ المرفوع وإن كان الخطاب للمؤمنين أمّة الرسول عليه السلام في قوله ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُم﴾ فالمعنى أنهم شديد والشكيمة في التكذيب ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك. وبالياء فما يستطيعون ﴿صَرْفًا﴾ لأنفسهم عما هم عليه. أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه. ﴿وَلا نَصْرًا ﴾ لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذبيهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦
﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ﴾ الظاهر أنه عام. وقيل : خطاب للمؤمنين. وقيل : خطاب للكافرين. والظلم هنا الشرك قاله ابن عباس والحسن وابن جريج، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم. وقال الزمخشري : العذاب الكبير لا حق لكل من ظلم والكافر ظالم لقوله ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ والفاسق ظالم لقوله ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوالَئاِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ﴾ انتهى وفيه دسيسة الاعتزال. وقرىء : يذقه بياء الغيبة أي الله وهو الظاهر. وقيل : هو أي الظلم وهو المصدر المفهوم من قوله ﴿يَظْلِم﴾ أي يذقه الظلم.


الصفحة التالية
Icon