جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦
إذا لسعته النحل لم يرج لسعهاوحالفها في بيت نوب عوامل وقال آخر :
لا ترجى حين تلاقي الذائذا
أسبعة لاقت معاً أم واحداً
انتهى. ومن لازم الرجاء للثواب الخوف من العقاب، ومن كان مكذباً بالبعث لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً ومن تأول لم يرج لسعها على معنى لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها. فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله فتأويله ممكن لكن الفراء وغيره نقلوا ذلك لغة لهذيل في النفي والشاعر هذلي، فينبغي أن لا يتكلف للتأويل وأن يحمل على لغته.
﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئاِكَةُ﴾ فتخبرنا أنك رسول حقاً ﴿أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾ فيخبرنا بذلك قاله ابن جريج وغيره. وهذه كما قالت اليهود ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ وكقولهم أعني المشركين ﴿أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَئاِكَةِ قَبِيلا﴾ وهذا كله في سبيل التعنت، وإلاّ فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا. ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا ﴾ أي تكبروا ﴿فِى أَنفُسِهِمْ﴾ أي عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله، وهم ليسوا بأهل لها. والمعنى أن سؤال ذلك إنما هو لما أضمروا في أنفسهم من الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد الكامن في قلوبهم الظاهر عنه ما لا يقع لهم كما قال ﴿إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَـالِغِيهِ﴾ واللام في لقد جواب قسم محذوف و﴿عُتُوًّا﴾ تجاوزوا الحد في الظلم ووصفه بكبير مبالغة في إفراطه أي لم يجسروا على هذا القول العظيم إلاّ لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو. وجاء هنا
٤٩١
﴿عُتُوًّا﴾ على الأصل وفي مريم ﴿عِتِيًّا﴾ على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل. قال ابن عباس ﴿عُتُوًّا﴾ كفروا أشد الكفر وأفحشوا. وقال عكرمة : تجبروا. وقال ابن سلام : عصوا. وقال ابن عيسى : أسرفوا. قال الزمخشري : هذه الجملة في حسن استيفائها غاية في أسلوبها. ونحوه قول القائل :
وجارة جساس أبأنا بنابهاكليباً غلت ناب كليب بواؤها
في نحو هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب، ألا ترى أن المعنى ما أشدّ استكبارهم وما أكثر عتوهم وما أغلى نابا بواؤها كليب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦
﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئاِكَةَ﴾ ﴿يَوْمَ﴾ منصوب بـ(اذكر) وهو أقرب أو بفعل يدل عليه ﴿لا﴾ أي يمنعون البشرى ولا يعمل فيه ﴿الْمَلَئاِكَةَ لا بُشْرَى ﴾ لأنه مصدر ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس، ودخول ﴿لا﴾ على ﴿بُشْرَا ﴾ لانتفاء أنواع البشرى وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة لقوله بعد ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا ﴾ وعن ابن عباس : عند الموت والمعنى أن هؤلاء الذين اقترحوا نزول الملائكة لا يعرفون ما يكون لهم إذا رأوهم من الشر وانتفاء البشارة وحصول الخسار والمكروه. واحتمل ﴿بُشْرَا ﴾ أن يكون مبنياً مع ﴿لا﴾ واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإن كان مبنياً مع ﴿لا﴾ احتمل أن يكون الخبر ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ خبر بعد خبر أو نعت لبشرى، أو متعلق بما تعلق به الخبر، وأن يكون ﴿فَزَعٍ يَوْمَـاِذٍ﴾ صفة لبشرى، والخبر ﴿لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس ﴿لا﴾ أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع ﴿لا﴾ وما بني معها ؟ وإن كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ معمولاً لبشرى، وأن يكون صفة، والخبر من الخبر. وأجاز أن يكون ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ و﴿لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ خبر وجاز أن يكون ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ خبراً و﴿لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ صفة، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنياً لنفس لا بإجماع.
وقال الزمخشري : و﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ للتكرير وتبعه أبو البقاء، ولا يجوز أن يكون تكريراً سواء أريد به التوكيد اللفظي أم أريد به البدل، لأن ﴿يَوْمَ﴾ منصوب بما تقدم ذكره من اذكر أو من يعدمون البشرى وما بعد ﴿لا﴾ العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبل إلاّ والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم. قيل : ويجوز أن يكون من وضع الظاهر موضع الضمير، والظاهر أن الضمير في ﴿وَيَقُولُونَ﴾ عائد على القائلين لأن المحدث عنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة، ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو ونزول الشدة وقال معناه مجاهد قال ﴿حِجْرًا﴾ عواذاً يستعيذون من الملائكة. وقال مجاهد وابن جريج : كانت العرب إذا كرهت شيئاً قالوا حجراً. وقال أبو عبيدة : هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولهما من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة انتهى. ومنه قول المتلمس :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦