حنت إلى النخلة القصوى فقلت لهاحجر حرام ألا تلك الدهايس أي هذا الذي حننت إليه هو ممنوع، وذكر سيبويه ﴿حِجْرًا﴾ في المصادر المنصوبة غير المتصرفة. وقال بعض الرجاز :
قالت وفيها حيرة وذعر
عوذ يرى منكم وحجر
وأنه واجب إضمار ناصبها. قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل أتفعل كذا ؟ فيقول حجراً وهي من حجره إذا منعه لأن المتسعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه لا يلحقه.
وقرأ أبو رجاء والحسن
٤٩٢
والضحاك ﴿حِجْرًا﴾ بضم الحاء. وقيل : الضمير في ﴿وَيَقُولُونَ﴾ عائد على الملائكة أي تقول الملائكة للمجرمين ﴿حِجْرًا مَّحْجُورًا﴾ عليكم البشرى و﴿مَّحْجُورًا﴾ صفة يؤكد معنى ﴿حِجْرًا﴾ كما قالوا : موت مائت، وذيل ذائل، والقدوم الحقيقي مستحيل في حق الله تعالى فهو عبارة عن حكمه بذلك وإنفاذه.
قيل : أو على حذف مضاف أي قدمت ملائكتنا وأسند ذلك إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة لأن القادم على شيء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب، فمثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف، ومنّ علي أسير. وغير ذلك من مكارمهم بحال قوم خالفوا سلطانهم فقصد إلى ما تحت أيديهم فمزقها بحيث لم يترك لها أثراً، وفي أمثالهم أقل من الهباء و﴿هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ صفة للهباء شبهه بالهباء لقلته وأنه لا ينتفع به، ثم وصفه بمنثوراً لأن الهباء تراه منتظماً مع الضوء فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب. وقال الزمخشري : أو جعله يعني ﴿مَّنثُورًا﴾ مفعولاً ثالثاً لجعلناه أي ﴿فَجَعَلْنَـاهُ﴾ جامعاً لحقارة الهباء والتناثر. كقوله ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَـاسِئِينَ﴾ أي جامعين للمسخ والخسء انتهى. وخالف ابن درستويه فخالف النحويين في منعه أن يكون لكان خبران وأزيد. وقياس قوله في جعل أن يمنع أن يكون لها خبر ثالث.
وقال ابن عباس : الهباء المنثور ما تسفي به الرياح وتبثه. وعنه أيضاً : الهباء الماء المهراق والمستقر مكان الاستقرار في أكثر الأوقات. والمقيل المكان الذي يأوون إليه في الاسترواح إلى الأزواج والتمتع، ولا نوم في الجنة فسمي مكان استرواحهم إلى الحور ﴿مَقِيلا﴾ على طريق التشبيه إذ المكان المتخير للقيلولة يكون أطيب المواضع. وفي لفظ ﴿أَحْسَنُ﴾ رمز إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور إلى غير ذلك من التحاسين. و﴿خَيْرٌ﴾ قيل : ليست على بابها من استعمالها دلالة على الأفضلية فيلزم من ذلك خير في مستقر أهل النار، ويمكن إبقاؤها على بابها ويكون التفضيل وقع بين المستقرين والمقيلين باعتبار الزمان الواقع ذلك فيه. فالمعنى ﴿خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا﴾ في الآخرة من الكفار المترفين في الدنيا ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلا﴾ في الآخرة من أولئك في الدنيا. وقيل :﴿خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا﴾ منهم لو كان لهم مستقر، فيكون التقدير وجود مستقر لهم فيه خير. وعن ابن مسعود وابن عباس والنخعي وابن جبير وابن جريج ومقاتل : إن الحساب يكمل في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٨٦
٤٩٣
﴿تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلا * الْمُلْكُ يومئذ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـانِا وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَـالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَـاوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَـانُ لِلانسَـانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَـارَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هذا الْقُرْءاَنَ مَهْجُورًا * وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَا وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةًا كَذَالِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَا وَرَتَّلْنَـاهُ تَرْتِيلا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَـاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا * الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوالَئاِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾.
قرأ الحرميان وابن عامر ﴿تَشَقَّقُ﴾ بإدغام التاء من تتشقق في الشين هنا. وفي ق وباقي السبعة بحذف تلك التاء ويعني يوم القيامة كقوله ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِهِا﴾. وقرأ الجمهور :﴿وَنُزِّلَ﴾ ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول، وابن مسعود وأبو رجاء ﴿وَنُزِّلَ﴾ ماضياً مبنياً للفاعل. وعنه أيضاً وأنزل مبنياً للفاعل وجاء مصدره ﴿تَنزِيلا﴾ وقياسه إنزالاً إلاّ أنه لما كان معنى أنزل ونزَّل واحداً جاز مجيء مصدر أحدما للآخر كما قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٣
حتى تطوّيت انطواء الخصب