كأنه قال : حتى انطويت. وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية وأنزل ماضياً رباعياً مبنياً للمفعول مضارعه ينزل. وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو ﴿وَنُزِّلَ﴾ ثلاثىاً مخففاً مبنياً للفاعل، وهارون عن أبي عمرو وتنزل بالتاء من فوق مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل، وأبو معاذ وخارجة عن أبي عمرو ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَئاِكَةُ﴾ بضم النون وشد الزاي، أسقط النون من وننزل وفي بعض المصاحف وننزل بالنون مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل. ونسبها ابن عطية لابن كثير وحده قال : وهي قراءة أهل مكة ورويت عن أبي عمرو. وعن أبيّ أيضاً وتنزلت. وقرأ أبيّ ونزلت ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول بتاء التأنيث. وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو :﴿وَنُزِّلَ﴾ مخففاً مبنياً للمفعول ﴿الْمَلَئاِكَةُ﴾ رفعاً، فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتقديره : ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى ﴿الْمَلَئاِكَةُ﴾ بمعنى نزول نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه في ترتيب اللازم للمفعول به لأن الفعل يدل على مصدره انتهى.
وقال أبو الفتح : وهذا غير معروف لأن ﴿نَزَّلَ﴾ لا يتعدى إلى مفعول فيبني هنا للملائكة، ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلاّ أزكمه الله وأجنه. وهذا باب سماع لا قياس انتهى. فهذه إحدى عشرة قراءة. والظاهر أن الغمام هو السحاب المعهود. وقيل هو الله في قوله ﴿فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ﴾. وقال ابن جريج : الغمام الذي يأتي الله فيه في الجنة زعموا. وقال الحسن : سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه تنسخ أعمال بني آدم ليحاسبوا. وقيل : غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، والظاهر أن ﴿السَّمَآءُ﴾ هي المظلة لنا. وقيل : تتشقق سماء سماءى قاله مقاتل. والباء باء الحال أي متغيمة أو باء السبب أي بسبب طلوع الغمام منه كأنه الذي تتشقق به السماء كما تقول : شق السنام بالشفرة وانشق بها ونظيره قوله ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِهِا﴾ أو بمعنى عن أقوال ثلاثة. والفرق بين الباء السببية وعن أن انشق عن
٤٩٤
كذا تفتح عنه وانشق بكذا أنه هو الشاق له.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٣
﴿وَنُزِّلَ الْمَلَئاِكَةُ﴾ أي إلى الأرض لوقوع الجزاء والحساب. و﴿الْحَقُّ﴾ صفة للملك أي الثابت لأن كل ملك يومئذ يبطل، ولا يبقى إلاّ ملكه تعالى وخبر ﴿الْمُلْكِ﴾ ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾. و﴿الرَّحْمَـانِ﴾ متعلق بالحق أو للبيان أعني ﴿لِلرَّحْمَـانِ﴾. وقيل : الخبر ﴿لِلرَّحْمَـانِ﴾ و﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ معمول للملك. وقيل : الخبر ﴿الْحَقُّ﴾ و﴿لِلرَّحْمَـانِ﴾ متعلق به أو للبيان، وعسر ذلك اليوم على الكافرين بدخولهم النار وما في خلال ذلك من المخاوف. ودل قوله ﴿عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ على تيسيره على المؤمنين ففي الحديث أنه يهون حتى يكون على المؤمن أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا والظاهر عموم الظالم إذ اللام فيه للجنس قاله مجاهد وأبو رجاء، وقالا : فلان هو كناية عن الشيطان.
وقال ابن عباس وجماعة :﴿الظَّالِمُ﴾ هنا عقبة بن أبي معيط إذ كان جنح إلى الإسلام وأبيّ بن خلف هو المكني عنه بفلان، وكان بينهما مخالة فنهاه عن الإسلام فقبل منه. وعن ابن عباس أيضاً. عكس هذا القول. قيل وسبب نزولها هو عقبة وأبي. وقيل : كان عقبة خليلاً لأمية فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً فكفر وارتد لرضا أمية فنزلت قاله الشعبي. وذكر من إساءة عقبة على الرسول ما كان سبب أن قال له الرسول عليه السلام :"لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف". فقتل عقبة يوم بدر صبراً أمر علياً فضرب عنقه، وقتل أبيّ بن خلف يوم أحد في المبارزة. والمقصود ذكر هول يوم القيامة بتندم الظالم وتمنيه أنه لم يكن أطاع خليله الذي كان يأمره بالظلم وما من ظالم إلا وله في الغالب خليل خاص به يعبر عنه بفلان. والظاهر أن ﴿الظَّالِمُ﴾ ﴿يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ فعل النادم المتفجع. وقال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت، ولا يزال كذلك كلما أكلها نبتت. وقيل : هو مجاز عبر به عن التحير والغم والندم والتفجع ونقل أئمة اللغة أن المتأسف المتحزن المتندم يعض على إبهامه ندماً وقال الشاعر :
لطمت خدها بحمر لطافنلن منها عذاب بيض عذاب
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٣
فتشكى العناب نور إقاحواشتكى الورد ناضر العناب
وفي المثل : يأكل يديه ندماً ويسيل دمعه دماً. وقال الزمخشري : عض الأنامل واليدين والسقوط في اليد وأكل البنان وحرق الأسنان والإرم وفروعها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها فتذكر الرادفة. ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجد عند لفظ المكنى عنه انتهى. وقال الشاعر في حرق الناب :


الصفحة التالية
Icon