أبى الضيم والنعمان يحرق نابهعليه فأفضى والسيوف معاقله
﴿يَقُولُ﴾ في موضع الحال أي قائلاً ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِى﴾ فان كانت اللام للعهد فالمعنى أنه تمنى عقبة أن لو صحب النبيّ صلى الله عليه وسلّم وسلك طريق الحق، وإن كانت اللام للجنس فالمعنى أنه تمنى. سلوك طريق الرسول وهو الإيمان، ويكون الرسول للجنس لأن كل ظالم قد كلف اتّباع ما جاء به رسول من الله إلى أن جاءت الملة المحمدية فنسخت جميع الملل، فلا يقبل بعد مجيئه دين غير الذي جاء به. ثم ينادي بالويل والحسرة يقول أي يا هلكاه كقوله ﴿نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنابِ اللَّهِ﴾. وقرأ الحسن وابن قطيب ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِى﴾ بكسر التاء والياء ياء الإضافة وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك. وقرأت فرقة بالإمالة. قال أبو علي : وترك الإمالة أحسن لأن هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفاً فراراً من الياء فمن أمال رجع إلى الذي عنه فر أولاً. وفلان كناية
٤٩٥
عن العلم وهو متصرف وقل كناية عن نكرة الإنسان نحو : يا رجل وهو مختص بالنداء، وفلة بمعنى يا امرأة كذلك ولام فل ياء أو واو وليس مرخماً من فلان خلافاً للفراء. ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط في قولهم فل كناية عن العلم كفلان. وفي كتاب سيبويه ما قلناه بالنقل عن العرب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٣
و﴿الذِّكْرِ﴾ ذكر الله أو القرآن أو الموعظة، والظاهر حمل الشيطان على ظاهره لأنه هو الذي وسوس إليه في مخالة من أضله سماه شيطاناً لأنه يضل كما يضل الشيطان ثم خذ له ولم ينفعه في العاقبة. وتحتمل هذه الجملة أن تكون من تمام كلام الظالم، ويحتمل أن تكون إخباراً من كلام الله على جهة الدلالة على وجه ضلالهم والتحذير من الشيطان الذي بلغهم ذلك المبلغ. وفي الحديث الصحيح تمثيل الجليس الصالح بالمسك والجليس السوء بنافخ الكير. والظاهر أن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم ربه وإخباره بهجر قومه قريش القرآن هو مما جرى له في الدنيا بدليل إقباله عليه مسلياً مؤانساً بقوله ﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ وأنه هو الكافي في هدايته ونصره فهو وعد منه بالنصر وهذا القول من الرسول وشكايته فيه تخويف لقومه. وقالت فرقة منهم أبو مسلم إنه قوله عليه السلام في الآخرة كقوله ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ والظاهر أن ﴿مَهْجُورًا﴾ بمعنى متروكاً من الإيمان به مبعداً مقصياً من الهجر بفتح الهاء. وقاله مجاهد والنخعي وأتباعه. وقيل : من الهجر والتقدير ﴿مَهْجُورًا﴾ فيه بمعنى أنه باطل. وأساطير الأولين أنهم إذا سمعوه هجروا فيه كقوله ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر كالملحود والمعقول، والمعنى اتخذوه هجراً والعد ويجوز أن يكون واحداً وجمعاً انتهى.
وانتصب ﴿هَادِيًا﴾ و﴿نَصِيرًا﴾ على الحال أو على التمييز. وقالوا أي الكفار على سبيل الاقتراح والاعتراض الدال على نفورهم عن الحق. قال الزمخشري :﴿نَزَّلَ﴾ ههنا بمعنى أنزل لا غير كخبر بمعنى أخبر وإلاّ كان متدافعاً انتهى. وإنما قال أن ﴿نَزَّلَ﴾ بمعنى أنزل لأن نزل عنده أصلها أن تكون للتفريق، فلو أقره على أصله عنده من الدلالة على التفريق تدافع هو. وقوله ﴿جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ وقد قررنا أنا ﴿نَزَّلَ﴾ لا تقتضي التفريق لأن التضعيف فيه عندنا مرادف للهمزة. وقد بيّنا ذلك في أول آل عمران وقائل ذلك كفار قريش قالوا : لو كان هذا من عند الله لنزل جملة كما نزلت التوراة والإنجيل. وقيل : قائلو ذلك اليهود وهذا قول لا طائل تحته لأن أمر الاحتجاج به والإعجاز لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرقاً بل الإعجاز في نزوله مفرقاً أظهر إذ يطالبون بمعارضة سورة منه، فلو نزل جملة واحدة وطولبوا بمعارضته مثل ما نزل لكانوا أعجز منهم حين طولبوا بمعارضة سورة منه فعجزوا والمشار إليه غير مذكور. فقيل : هو من كلام الكفار وأشاروا إلى التوراة والإنجيل أي تنزيلاً مثل تنزيل تلك الكتب الإلهية جملة واحدة ويبقى ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ تعليلاً لمحذوف أي فرقناه في أوقات ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾. وقيل : هو مستأنف من كلام الله تعالى لا من كلامهم، ولما تضمن كلامهم معنى لمَ أُنْزِلَ مفرقاً أشير بقوله كذلك إلى التفريق أي ﴿كَذَالِكَ﴾ أنزل مفرقاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٣


الصفحة التالية
Icon