وقال أيضاً :﴿الظِّلَّ﴾ ليس عدماً محضاً بل هو أضواء مخلوطة بظلام، فهو أمر وجودي وفي تحقيقه دقيق يرجع فيه إلى الكتب العقلية انتهى. والآية في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى هذا التكثير وقد تركت أشياء من كلام المفسرين مما لا تمس إليه الحاجة. ﴿جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا﴾ تشبيهاً بالثوب الذي يغطي البدن ويستره من حيث الليل يستر الأشياء. والسبات : ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضاً فشبه النوم به، والسبت الإقامة في المكان فكان السبات سكوناً تاماً والنشور هنا الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة اللذين يتضمنهما النوم والسبات انتهى. ومن كلام ابن عطية وقال غيره : السبات الراحة جعل ﴿نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ أي سبب راحة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١
وقال الزمخشري : السبات الموت وهو كقوله ﴿وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّـاكُم بِالَّيْلِ﴾ فإن قلت : هلا فسرته بالراحة ؟ قلت : النشور في مقابلته يأباه انتهى. ولا يأباه إلاّ لو تعين تفسير خبر مبتدأ محذوف، و﴿الرَّحْمَـانِ﴾ صفة له. أو يكون ﴿الَّذِى ﴾ منصوباً على إضمار أعني ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ مبتدأ. و﴿فَسْـاَلْ﴾ خبره تخريجه على حد قول الشاعر :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
وجوزوا أيضاً في ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ أن يكون بدلاً من الضمير المستكن في ﴿اسْتَوَى ﴾. والظاهر تعلق به بقوله ﴿فَسْـاَلْ﴾ وبقاء الباء غير مضمنة معنى عن. و﴿خَبِيرًا﴾ من صفات الله كما تقول : لقيت بزيد أسداً ولقيت بزيد البحر، تريد أنه هو الأسد شجاعة، والبحر كرماً. والمعنى أنه تعالى اللطيف العالم الخبير والمعنى ﴿فَسْـاَلْ﴾ الله الخبير بالأشياء العالم بحقائقها. وقال ابن عطية : و﴿خَبِيرًا﴾ على هذا منصوب إما بوقوع السؤال، وإما على الحال المؤكدة. كما قال ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ وليست هذه الحال منتقلة إذا الصفة العلية لا تتغير انتهى. وبني هذا الإعراب على أنه كما تقول : لو لقيت فلاناً للقيت به البحر كرماً أي لقيت منه. والمعنى ﴿فَسْـاَلْ بِهِا خَبِيرًا﴾ عن كل أمر وكونه منصوباً على الحال المؤكدة على هذا التقدير لا يصح إنما يصح أن يكون مفعولاً به، ويجوز أن تكون الباء بمعنى عن، أي ﴿فَسْـاَلْ﴾ عنه ﴿خَبِيرًا﴾ كما قال الشاعر : فإن تسألوني بالنساء فإننيبصير بأدواء النساء طبيب
وهو قول الأخفش والزجاج. ويكون ﴿خَبِيرًا﴾ ليس من صفات الله هنا، كأنه قيل : اسأل عن الرحمن الخبراء جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة، وإن جعلت ﴿بِهِ﴾ متعلقاً بخبيراً كان المعنى ﴿فَسْـاَلْ﴾ عن الله الخبراء به. وقال الكلبي معناه ﴿فَسْـاَلْ﴾ خبيراً به و﴿بِهِ﴾ يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش، وذلك الخبير هو الله تعالى لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق ذلك فلا يعلمها إلاّ الله. وعن ابن عباس : الخبير جبريل وقدم لرؤوس الآي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١
وقال الزمخشري : الباء في ﴿بِهِ﴾ صلة سل كقوله ﴿سَأَلَ سَآاِلُا بِعَذَابٍ﴾ كما يكون عن صلته في نحو ﴿ثُمَّ لَتُسْـاَلُنَّ يومئذ عَنِ النَّعِيمِ﴾ أو صلة ﴿خَبِيرًا﴾ به فتجعل ﴿خَبِيرًا﴾ مفعولاً أي، فسل عنه رجلاً عارفاً يخبرك برحمته، أو فسل رجلاً خبيراً به وبرحمته، أو فسل بسؤاله خبيراً. كقولك، رأيت به أسداً أي رأيت برؤيته، والمعنى إن سألته وجدته خبيراً بجعله حالاً عن به تريد فسل عنه عالماً بكل شيء.
وقيل :﴿الرَّحْمَـانِ﴾ اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه. فقيل : فسل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلاّ الذي في اليمامة يعنون مسيلمة، وكان يقال له رحمن اليمامة انتهى.


الصفحة التالية
Icon