﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـانِ﴾ وكانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله غالطت قريش بذلك فقالت : إن محمداً يأمرنا بعبادة رحمن اليمامة نزلت ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ و﴿مَآ﴾ سؤال عن المجهول، فيجوز أن يكون سؤالاً عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم، ويجوز أن يكون سؤالاً عن معناه لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما يستعمل الرحيم والرحوم والراحم، أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله قاله الزمخشري. والذي يظهر أنهم لما قيل لهم ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـانِ﴾ فذكرت الصفة المقتضية للمبالغة في الرحمة والكلمة عربية لا ينكر وضعها، أظهروا التجاهل بهذه الصفة التي لله مغالطة منهم ووقاحة فقالوا :﴿وَمَا الرَّحْمَـانُ﴾ وهم عارفون به وبصفته الرحمانية، وهذا كما قال فروعون ﴿وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ﴾ حين قال له موسى :﴿إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ على سبيل المناكرة وهو عالم برب العالمين. كما قال موسى ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ بَصَآاِرَ﴾ فكذلك كفار قريش استفهموا عن ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ استفهام من يجهله وهم عالمون به، فعلى قول من قال : لم يكونوا يعرفون ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ إلاّ مسيلمة وعلى قول من قال : من لا يعرفون الرحمن إلاّ مسيلمة. فالمعنى أنسجد لمسيلمة وعلى قول من قال : لا يعرفون ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ بالكلية فالمعنى ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ من غير علم ببيانه. والقائل ﴿اسْجُدُوا ﴾ الرسول أو الله على لسان رسوله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١
وقرأ ابن مسعود والأسود بن يزيد وحمزة والكسائي يأمر بالياء من تحت أي يأمرنا محمد، والكناية عنه أو المسمى ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ ولا نعرفه. وقرأ باقي السبعة بالتاء خطاباً للرسول. ومفعول ﴿تَأْمُرُنَا﴾ الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره يأمرنا سجوده نحو قولهم : أمرتك الخير.
النشور بالحياة. وقال أبو مسلم ﴿نُشُورًا﴾ هو بمعنى الانتشار والحركة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بالنشور وقت انتشار وتفرق لطلب المعاش وابتغاء فضل الله. و﴿النَّهَارَ نُشُورًا﴾ وما قبله من باب ليل نائم ونهار صائم، وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه، لأن الاحتجاب بستر الليل كم فيه لكثير من الناس فوائد دينية ودنيوية. وقال الشاعر :
وكم لظلام الليل عندي من يدتخبر أن المانوية تكذب
والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيهما لمن اعتبر. وعن لقمان أنه قال لابنه : يا بني كما
٥٠٤
تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر.
وتقدم الخلاف في قراءة الريح بالإفراد والجمع في البقرة. قال ابن عطية : وقراءة الجمع أوجه لأن عرف الريح متى وردت في القرآن مفردة فإنما هي للعذاب، ومتى كانت للمطر والرحمة فإنما هي رياح لأن ريح المطر تتشعب وتتداءب وتتفرّق وتأتي لينة ومن ههنا وههنا وشيئاً اثر شيء، وريح العذاب خرجت لاتتداءب وإنما تأتي جسداً واحداً. ألا ترى أنها تحطم ما تجد وتهدمه. قال الرماني : جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة لواقح : الجنوب، والصبا، والشمال. وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة لا تلقح وهي الدبور. قال ـ أي ابن عطية ـ : يرد هذا قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم : إذا هبت الريح :"اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" انتهى. ولا يسوغ أن يقال : هذه القراءة أوجه لأنه كلاً من القراءتين متواتر والألف واللام في الريح للجنس فتعم، وما ذكر من أن قول الرماني يرده الحديث فلا يظهر لأنه يجوز أن يريد بقوله عليه السلام :"رياحاً". الثلاثة اللواقح وبقوله "ولا تجعلها ريحاً" الدبور. فيكون ما قاله الرماني مطابقاً للحديث على هذا المفهوم.
وتقدم الخلاف في قراءة ﴿نَشْرًا﴾ وفي مدلوله في الأعراف ﴿بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِا﴾ استعارة حسنة أي قدام المطر لأنه يجيء معلماً به. والطهور فعول إما للمبالغة كنؤوم فهو معدول عن طاهر، وإما أن يكون اسماً لما يتطهر به كالسحور والفطور، وإما مصدر لتطهر جاء على غير المصدر حكاه سيبويه. والظاهر في قوله ﴿مَآءً طَهُورًا﴾ أن يكون للمبالغة في طهارته وجهة المبالغة كونه لم يشبه شيء بخلاف ما نبع من الأرض ونحوه فإنه تشوبه أجزاء أرضية من مقره أو ممره أو مما يطرح فيه، ويجوز أن يوصف بالاسم وبالمصدر. وقال ثعلب : هو ما كان طاهراً في نفسه مطهراً لغيره، فإن كان ما قاله شرحاً لمبالغته في الطهارة كان سديداً ويعضده ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ﴾ وإلاّ ففعول لا يكون بمعنى مفعل، ومن استعمال طهور للمبالغة قوله تعالى ﴿وَسَقَـاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾. وقال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١