إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤلهفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم : يقترون بفتح الياء وضم التاء ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع، وابن عامر بضم الياء وكسر التاء مشددة وكلها لغات في التضييق. وأنكر أبو حاتم لغة أقتر رباعياً هنا. وقال أقتر إذا افتقر. ومنه ﴿وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ وغاب عنه ما حكاه الأصمعي وغيره : من اقتر بمعنى ضيق، والقوام الاعتدال بين الحالتين. وقرأ حسان بن عبد الرحمن ﴿قَوَامًا﴾ بالكسر. فقيل : هما لغتان بمعنى واحد. وقيل : بالكسر ما يقام به الشيء يقال : أنت قوامنا بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص. وقيل :﴿قَوَامًا﴾ بالكسر مبلغاً وسداداً وملاك حال، و﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾ و﴿قَوَامًا﴾ يصح أن يكونا خبرين عند من يجيز تعداد خبر ﴿كَانَ﴾ وأن يكون ﴿بَيْنَ﴾ هو الخبر و﴿قَوَامًا﴾ حال مؤكدة، وأن يكون ﴿قَوَامًا﴾ خبراً و﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾ إما معمول لكان على مذهب من يرى أن كان الناقصة تعمل في الظرف، وأن يكون حالاً من ﴿قَوَامًا﴾ لأنه لو تأخر لكان صفة، وأجاز الفراء أن يكون ﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾ اسم ﴿كَانَ﴾ وبُني لإضافته إلى مبني كقوله ﴿وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِـاِذٍ﴾ في قراءة من فتح الميم و﴿قَوَامًا﴾ الخبر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩
قال الزمخشري : وهو من جهة الإعراب لا بأس به، ولكن المعنى ليس بقوي لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة انتهى.
وصفهم تعالى بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله خوطب الرسول صلى الله عليه وسلّم بقوله ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ الآية. ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ﴾ الآية سأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي الذنب أعظم ؟ فقال :"أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قال : ثم أي ؟ قال :"أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك". قال : ثم أي ؟ قال :"أن تزاني حليلة جارك". فأنزل الله تصديقها ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ﴾ الآية. وقيل : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مشركون قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، فقالوا : إن الذين تقول وتدعو إليه لحسن، أو تخبرنا أن لما علمنا كفارة فنزلت إلى ﴿غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. وقيل : نزولها قصة وحشي في إسلامه في حديث طويل. قال الزمخشري : نفي هذه التقبيحات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدفين للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم، كأنه قيل : والذين برأهم الله وطهرهم
٥١٤
مما أنتم عليه. وقال ابن عطية : إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان وقتلهم النفس بوأد البنات وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات وبالزنا الذي كان عندهم مباحاً انتهى. وتقدم تفسير نظير ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ في سورة الأنعام. وقرىء ﴿يَلْقَ﴾ بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة وابن مسعود وأبو رجاء يلقى بألف، كان نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقر الألف. والآثام في اللغة العقاب وهو جزاء الإثم. قال الشاعر :
جزى الله ابن عروة حيث أمسىعقوق والعقوق له آثام أي حد وعقوبة وبه فسره قتادة وابن زيد. وقال عبد الله بن عمرو ومجاهد وعكرمة وابن جبير : آثام واد في جهنم هذا اسمه جعله الله عقاباً للكفرة. وقال أبو مسلم : الآثام الإثم، ومعناه ﴿يَلْقَ﴾ جزاء آثام، فأطلق اسم الشيء على جزائه. وقال الحسن : الآثام اسم من أسماء جهنم. وقيل : بئر فيها. وقيل : جبل. وقرأ ابن مسعود : يلق أياماً جمع يوم يعني شدائد. يقال : يوم ذو أيام لليوم العصيب. وذلك في قوله ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ﴾ يظهر أنه إشارة إلى المجموع من دعاء إله وقتل النفس بغير حق والزنا، فيكون التضعيف مرتباً على مجموع هذه المعاصي، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها. ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩