وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾ مبنياً للمفعول وبألف ﴿وَيَخْلُدْ﴾ مبنياً للفاعل. والحسن وأبو جعفر وابن كثير كذلك إلاّ أنهم شددوا العين وطرحوا الألف. وقرأ أبو جعفر أيضاً وشيبة وطلحة بن سليمان نضعف بالنون مضمومة وكسر العين مشددة ﴿الْعَذَابَ﴾ نصب. وطلحة بن مصرف ﴿يُضَـاعَفْ﴾ بالياء مبنياً للفاعل ﴿الْعَذَابَ﴾ نصب. وقرأ طلحة بن سليمان وتخلد بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعاً أي وتخلد أيها الكافر. وقرأ أبو حيوة ﴿وَيَخْلُدْ﴾ مبنياً للمفعول مشدد اللام مجزوماً. ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففاً. وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿يُضَـاعَفْ﴾ ﴿وَيَخْلُدْ﴾ بالرفع عنهما وكذا ابن عامر والمفضل عن عاصم ﴿يُضَـاعَفْ﴾ ﴿وَيَخْلُدْ﴾ مبنياً للمفعول مرفوعاً مخففاً. والأعمش بضم الياء مبنياً للمفعول مرفوعاً مخففاً. والأعمش بضم الياء مبنياً للمفعول مشدداً مرفوعاً فالرفع على الاستئناف أو الحال والجزم على البدل من ﴿يَلْقَ﴾. كما قال الشاعر :
متى تأتنا تلمم بنافي ديارناتجد حطباً جزلاً وناراً تأججاً
والضمير في ﴿فِيهِ﴾ عائد على العذاب، والظاهر أن توبة المسلم القاتل النفس بغير حق مقبولة خلافاً لابن عباس، وتقدم ذلك في النساء وتبديل سيئاتهم حسنات هو جعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة ويكون ذلك سبب رحمة الله إياهم قاله ابن عباس. وابن جبير والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وردوا على من قال هو في يوم القيامة. وقال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنة، ولكن السيئة تُمْحَى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة، والكافر يحبط عملة وتثبت عليه السيئات. وتأول ابن مسيب ومكحول أن ذلك يوم القيامة وهو بمعنى كرم العفو. وفي كتاب مسلم إن الله يبدل يوم القيامة لمن يريد المغفرة له من الموحدين بدل سيئات حسنات. وقالا تُمحى السيئة ويثبت بدلها حسنة. وقال القفال والقاضي : يبدل العقاب بالثواب فذكرهما وأراد ما يستحق بهما.
﴿إِلا مَن تَابَ﴾ استثناء متصل من الجنس، ولا يظهر لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه ﴿يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾ فيصير التقدير ﴿إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَـالِحًا﴾ فلا يضاعف له العذاب. ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعاً أي لكن من تاب وآمن عمل صالحاً ﴿فَأُوالَئاِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ﴾ وإذا كان كذلك فلا يلقى عذاباً ألبتة و﴿سَيِّـاَاتِهِمْ﴾ هو المفعول الثاني، وهو أصله أن
٥١٥
يكون مقيداً بحرف الجر أي بسيئاتهم. و﴿حَسُنَتْ﴾ هو المفعول الأول وهو المصرح كما قال تعالى ﴿وَبَدَّلْنَـاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾. وقال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩
تضحك مني أخت ذات النحيينأبد لك الله بلون لونين
سواد وجه وبياض عينين
الظاهر أن ﴿وَمَن تَابَ﴾ أي أنشأ التوبة فإنه يتوب إلى الله أي يرجع إلى ثوابه وإحسانه. قال ابن عطية ﴿وَمَن تَابَ﴾ فإنه قد تمسك بأمر وثيق. كما تقول لمن يستحسن قوله في أمر : لقد قلت يا فلان قولاً فكذلك الآية معناها مدح المتاب، كأنه قال : فإنه يجد الفرج والمغفرة عظيماً. وقال الزمخشري : ومن يترك المعاصي ويندم عليها ويدخل في العمل الصالح فإن بذلك تائب إلى الله الذي يعرف حق التائبين، ويفعل بهم ما يستوجبون، والله يحب التوّابين ويحب المتطهرين. وقيل : من عزم على التوبة فإنه يتوب إلى الله فليبادر إليها ويتوجه بها إلى الله. وقيل ﴿مَن تَابَ﴾ من ذنوبه فإنه يتوب إلى من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. وقيل :﴿وَمَن تَابَ﴾ استقام على التوبة فإنه يتوب إلى الله أي فهو التائب حقاً عند الله.
﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ عاد إلى ذكر أوصاف ﴿عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ﴾ والظاهر أن المعنى لا يشهدون بالزور أو شهادة الزور، قاله عليّ والباقر فهو من الشهادة. وقيل : المعنى لا يحضرون من المشاهدة والزور الشرك والصنم أو الكذب أو آلة الغناء أو أعياد النصارى. أو لعبة كانت في الجاهلية أو النوح أو مجالس يعاب فيها الصالحون، أقوال. فالشرك قاله الضحاك وابن زيد، والغناء قاله مجاهد، والكذب قاله ابن جريج. وفي الكشاف عن قتادة مجالس الباطل. وعن ابن الحنفية : اللهو والغناء. وعن مجاهد : أعياد المشركين و﴿اللَّغْوَ﴾ كل ما ينبغي أن يُلغى ويُطرح. والمعنى ﴿وَإِذَا مَرُّوا ﴾ بأهل اللغو ﴿مَرُّوا ﴾ معرضين عنهم مكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم. والخوض معهم لقوله ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ انتهى.