﴿ بآيات رَبِّهِمْ﴾ هي القرآن. ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ النفي متوجه إلى القيد الذي هو صم وعميان لا للخرور الداخل عليه، وهذا الأكثر في لسان العرب أن النفي يتسلط على القيد، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أَكَبّوا عليها حرصاً على استماعها، وأقبلوا على المذكر بها بآذان واعية وأعين راعية، بخلاف غيرهم من المنافقين وأشباههم، فإنهم إذا ذكروا بها كانوا مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها في ظاهر الأمر، وكانوا ﴿صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها. قال ابن عطية : بل يكون خرورهم سجداً وبكياً كما تقول : لم يخرج زيد إلى الحرب جزعاً أي إنما خرج جريئاً معدماً، وكان المسمع المذكر قائم القناة قويم الأمر فإذا أعرض كان ذلك خروراً وهو السقوط على غير نظام وترتيب، وإن كان قد أشبه الذي يَخّر ساجداً لكن أصله أنه على غير ترتيب انتهى. وقال السدّي ﴿لَمْ يَخِرُّوا ﴾ ﴿صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ هي صفة للكفار، وهي عبارة عن إعراضهم وجهدهم في ذلك. وقرن ذلك بقولك : قعد فلان يتمنى، وقام فلان يبكي، وأنت لم تقصد الإخبار بقعود ولا قيام وإنما هي توطئات في الكلام والعبارة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩
﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ كناية عن السرور والفرح، وهو مأخوذ من القر وهو البرد. يقال : دمع السرور بارد، ودمع الحزن سخن، ويقال : أقر الله عينك، وأسخن الله عين العدو. وقال أبو تمام :
فأما عيون العاشقين فأسخنتوأما عيون الشامتين فقرت
وقيل : مأخوذ من القرار أي يقر النظر به ولا ينظر إلى غيره. وقال أبو عمرو : وقرة العين النوم أي آمناً لأن الأمن لا يأتي مع الخوف حكاه القفال، وقرة العين فيمن ذكروا رؤيتهم مطيعين لله
٥١٦
قاله ابن عباس والحسن وحضرمي كانوا في أول الإسلام يهتدي الأب والابن كافروا والزوج والزوجة كافرة، وكانت قرة عيونهم في إيمان أحبابهم. وقال ابن عباس : قرة عين الولدان تراه يكتب الفقه والظاهر أنهم دعوا بذلك ليجابوا في الدنيا فيسروا بهم. وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أولئك في الجنة ليتم لهم سرورهم انتهى. ويتضمن هذا القول الأول الذي هو في الدنيا لأن ذلك نتيجة إيمانهم في الدنيا. ومن الظاهر أنها لابتداء الغاية أي ﴿هَبْ لَنَا﴾ من جهتهم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح، وجوز أن تكون للبيان قاله الزمخشري قال : كأنه قيل ﴿هَبْ لَنَا﴾ ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ ثم بينت القرة وفسرت بقوله ﴿مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّـاتِنَا﴾ ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين من قولك : رأيت منك أسداً أي أنت أسد انتهى. وتقدم لنا أن ﴿مَنِ﴾ التي لبيان الجنس لا بد أن تتقدم المبين. ثم يأتي بمن البيانية وهذا على مذهب من أثبت أنها تكون لبيان الجنس. والصحيح أن هذا المعنى ليس بثابت لمن.
وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص وذرياتنا على الجمع وباقي السبعة وطلحة على الإفراد. وقرأ عبد الله وأبو الدرداء وأبو هريرة قرات على الجمع، والجمهور على الإفراد. ونكرت القرة لتنكير الأعين كأنه قال هب لنا منهم سروراً وفرحاً وجاء ﴿أَعْيُنٍ﴾ بصيغة جمع القلة دون عيون الذي هو صيغة جمع الكثرة لأنه أريد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قاله الزمخشري. وليس بجيد لأن أعين تنطلق على العشرة فما دونه من الجمع، والمتقون ليست أعينهم عشرة بل هي عيون كثيرة جداً وإن كانت عيونهم قليلة بالنسبة إلي عيون غيرهم فهي من الكثرة بحيث تفوت العد. وأفرد ﴿إِمَامًا﴾ إما اكتفاء بالواحد عن الجمع، وحسنه كونه فاصلة ويدل على الجنس ولا لبس، وأما لأن المعنى واجعل كل واحد ﴿إِمَامًا﴾ وإما أن يكون جمع آمّ كحال وحلال، وإما لاتحادهم واتفاق كلمتهم قالوا : واجعلنا إماماً واحد ادعوا الله أن يكونوا قدوة في الدين ولم يطلبوا الرئاسة قاله النخعي. وقيل : في الآية ما يدل على أن الرئاسة في الدين يجب أن تطلب. ونزلت في العشرة المبشرين بالجنة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩
﴿أُوالَئاِكَ﴾ إشارة إلى الموصوفين بهذه الصفات العشرة. و﴿الْغُرْفَةَ﴾ اسم معرف بأل فيعم أي الغرف كما جاء ﴿وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ ءَامِنُونَ﴾ وهي العلالي. قال ابن عباس : وهي بيوت من زبرجد ودر وياقوت. وقيل ﴿الْغُرْفَةَ﴾ من أسماء الجنة. وقيل : السماء السابعة غرفة. وقيل : هي أعلى منازل الجنة. وقيل : المراد العلو في الدرجات والباء في ﴿بِمَا صَبَرُوا ﴾ للسبب. وقيل : للبدل أي بدل صبرهم كما قال :
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا


الصفحة التالية
Icon