و ﴿أَسَفًا﴾ قال مجاهد : جزعاً. وقال قتادة : غضباً وعنه أيضاً حزناً. وقال السدّي : ندماً وتحسراً. وقال الزجاج : الأسف المبالغة في الحزن والغضب. وقال منذر بن سعيد : الأسف هنا الحزن لأنه على من لا يملك ولا هو تحت يد الآسف، ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه كان غضباً كقوله تعالى ﴿فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ أي أغضبونا. قال ابن عطية : وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد انتهى. وانتصاب ﴿أَسَفًا﴾ على أنه مفعول من أجله أو على أنه مصدر في موضع الحال، وارتباط قوله ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ الآية بما قبلها هو على سبيل التسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للإبتلاء والاختبار أي الناس ﴿أَحْسَنُ عَمَلا﴾ فليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل، بل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملاً ومن هو أسوأ عملاً، فلا تغتم وتحزن على من فضلت عليه بأنه يكون أسوأ عملاً ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم موادّ هذه النعم التي خلقتها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
و ﴿جَعَلْنَا﴾ هنا بمعنى خلقنا، والظاهر أن ما يراد بها غير العامل وأنه يراد به العموم فيما لا يعقل. و﴿زِينَةُ﴾ كل شيء بحسبه. وقيل : لا يدخل في ذلك ما كان فيه إيذاء من حيوان وحجر ونبات لأنه لا زينة فيه، ومن قال بالعموم قال فيه ﴿زِينَةُ﴾ من جهة خلقه وصنعته وإحكامه. وقيل : المراد بما هنا خصوص ما لا بعقل. فقيل : الأشجار والأنهار. وقيل : النبات لما فيه من الاختلاف والأزهار. وقيل : الحيوان المختلف الأشكال والمنافع والأفعال. وقيل : الذهب والفضة والنحاس والرصاص والياقوت والزبرجد والجوهر والمرجان وما يجري مجرى ذلك من نقائس الأحجار.
وقال الزمخشري :﴿مَا عَلَى الارْضِ﴾ يعني ما يصلح أن يكون ﴿زِينَةً لَّهَا﴾ ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها. وقالت : فرقة أراد النعيم والملابس والثمار والخضرة والمياه. وقيل :﴿مَّآ﴾ هنا لمن يعقل، فعن مجاهد هو الرجال وقاله ابن جبير عن ابن عباس وروى عكرمة أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء. وانتصب ﴿زِينَةُ﴾ على الحال أو على المفعول من أجله إن كان ﴿جَعَلْنَا﴾ بمعنى خلقنا، وأوجدنا، وإن كانت بمعنى صيرنا فانتصب على أنه مفعول ثان.
واللام من ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ تتعلق بجعلنا، والابتلاء الاختبار وهو متأوّل بالنسبة إلى الله تعالى. والضمير في ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ إن كانت ما لمن يعقل فهو عائد عليها على المعنى، وأن لا يعود على ما يفهم من سياق الكلام وهو سكان الأرض المكلفون يحتمل أن يكون الضمير فيها إعراباً فيكون ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ﴾ مبتدأ و﴿أَحْسَنُ﴾ خبره. والجملة في موضع المفعول ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ ويكون قد علق ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ إجراءً لها مجرى العلم لأن الابتلاء والاختبار سبب للعلم، كما علقوا سل وانظر البصرية لأنهما سببان للعلم وإلى أن الجملة استفهامية مبتدأ وخبر ذهب الحوفي، ويحتمل أن تكون الضمة فيها بناء على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء في أي. وهو كونها مضافة قد حذف صدر صلتها، فأحسن خبر مبتدأ محذوف فتقديره هو ﴿أَحْسَنُ﴾ ويكون ﴿أَيُّهُمْ﴾ في موضع نصب بدلاً من الضمير في ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾، والمفضل عليه محذوف تقديره ممن ليس ﴿أَحْسَنُ عَمَلا﴾. وقال الثوري أحسنهم عملاً أزهدهم فيها. وقال إبو عاصم العسقلاني : أَترك لها. وقال الزمخشري : حسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها. وقال أبو بكر غالب بن عطية : أحسن العمل
٩٨
أخذ بحق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه. وقال الكلبي : أحسن طاعة. وقال القاسم بن محمد ما عليها من الأنبياء والعلماء ليبلوَ المرسل إليم والمقلدين للعلماء أيهم أحسن قبولاً وإجابة. وقال سهل : أحسن توكلاً علينا فيها. وقيل : أصفى قلباً وأحسن سمتاً. وقال ابن إسحاق : أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
و ﴿وَإِنَّا لَجَـاعِلُونَ﴾ أي مصيرون ﴿مَا عَلَيْهَا﴾ مما كان زينة لها أو ﴿مَا عَلَيْهَا﴾ مما هو أعم من الزينة وغيره ﴿صَعِيدًا﴾ تراباً ﴿جُرُزًا﴾ الأنبات فيه، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها، إذ مآل ذلك كزله إلى الفناء والحاق. وقال الزمخشري :﴿مَا عَلَيْهَا﴾ من هذه الزينة ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ يعني مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته وإماطة حسنة وإبطال ما به كان زينة من إماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار ونحو ذلك انتهى. قيل : والصعيد ما تصاعد على وجه الأرض. وقال مجاهد : الأرض التي لا نبات بها. وقال السدّي الأملس المستوي. وقيل : الطريق. وفي الحديث :"إياكم والقعود على الصعدات".