﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَـاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَـاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّا إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَـاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِا إِلَـاهًا لَّقَدْ قُلْنَآ إِذًا شَطَطًا﴾.
﴿أَمْ﴾ هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة. قيل : للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال، والهمزة للإستفهام. وزعم بعض النحويين أن ﴿أَمْ﴾ هنا بمعنى الهمزة فقط، والظاهر في ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم. فقال مجاهد : لم ينهه عن التعجب
١٠٠
وإنما أراد كل آياتنا كذلك. وقال قتادة : لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السموات والأرض أكثر. وقال ابن عباس : سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك. وقال الطبري : تقرير له عليه السلام على حسبانه ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾ كانوا ﴿عَجَبًا﴾ بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم. قال : وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. وقال الزهراوي : يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهاماً له هل علم ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَـاتِنَا عَجَبًا﴾ بمعنى إثبات أنهم عجب، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظة حسبت انتهى. وقال غيره : معناه أعلمت أي لم تعلمه حتى أعلمتك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
وقال الزمخشري : ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها، وإزالة ذلك كله كأن لم يكن ثم قال :﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ يعني ﴿ءَانٍ﴾ ذلك من قصة أهل الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة انتهى. وقيل : أي أم علمت أي فاعلم أنهم ﴿كَانُوا ﴾ ﴿عَجَبًا﴾ كما تقول : أعلمت أن فلاناً فعل كذا أي قد فعل فاعلمه. وقيل : الخطاب للسامع، والمراد المشركون أي قل لهم ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ الآية. والظن قد يقام مقام العلم، فكذلك حسبت بمعنى علمت والكهف تقدم تفسيره في المفردات. وعن أنس : الكهف الجبل. قال القاضي : وهذا غير مشهور في اللغة. وقال مجاهد : تفريج بين الجبلين، والظاهر ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ﴾ هم الفتية المذكورون هنا. وعن ابن المسيب أنهم قوم كان حالهم كأصحاب الكهف. فقال الضحاك بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفساً أموات كلهم نيام على هيئة ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾. وقيل : هم أصحاب الغار ففي الحديث عن النعمان بن بشير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلّم يذكر الرقيم قال :"إن ثلاثة نفر أصابتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف". وذكر الحديث وهو حديث المستأجر والعفيف وبارّ والديه، وفيما أورده فيه زيادة ألفاظ على ما في الصحيح. ومن قال إنهم طائفتان قال : أخبر الله عن ﴿أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾ ولم يخبر عن أصحاب بشيء، ومن قال : بأنهم طائفة واحدة اختلفوا في شرح فعن ابن عباس : إن لا يدري ما أكتاب أم بنيان، وعنه أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين المسيح عليه السلام. وقيل : من دين قبل عيسى، وعن ابن عباس ووهب أنه اسم قريتهم. وقيل : لوح من ذهب تحت الجدار أقامه الخضر عليه السلام. وقيل : كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وسبب خروجهم. وقيل : لوح من رصاص كتب فيه شأن الفتية ووضع في تابوت من نحاس في فم الكهف. وقيل : صخرة كتب فيها أسماؤهم وجعلت في سور المدينة. وقيل : اسم كلبهم وتقدم بيت أمية قاله أنس والشعبي وابن جبير، وعن الحسن : الجبل الذي به الكهف وعن عكرمة اسم الدواة بالرومية. وقيل : اسم للوادي الذي فيه الكهف. وقيل : رقم الناس حديثهم نقراً في الجبل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١


الصفحة التالية
Icon