وعن ابن عباس : لو مستهم الشمس لأحرقتهم، ولو لا التقليب لأكلتهم الأرض انتهى. و﴿ذَاتَ﴾ بمعنى صاحبة أي جهة ﴿ذَاتَ الْيَمِينِ﴾. ونقل المفسرون الخلاف في أوقات تقليبهم وفي عدد التقليبات، عن ابن عباس، وأبي هريرة، وقتادة، ومجاهد، وابن عياض بأقوال متعارضة متناقضة ضربنا عن نقلها صفحاً وكذلك لم نتعرض لأسم كلبهم ولا لكونه كلب زرع أو غيره، لأن مثل العدد والوصف والتسمية لا يدرك بالعقل وإنما يدرك بالسمع، والسمع لا يكون في مثل هذا إلاّ عن الأنبياء أو الكتب الإلهية، ويستحيل ورود هذا الاختلاف عنها. والظاهر أن قوله ﴿وَكَلْبُهُم﴾ أريد به الحيوان المعروف، وأبعد من ذهب إلى أنه أسد، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنه رجل طباخ لهم تبعهم، أو أحدهم قعد عند الباب طليعة لهم. وحكي أبو عمر والزاهد غلام ثعلب أنه قرىء وكالئهم اسم فاعل من كلأ إذا حفظ، فينبغي أن يحمل على أنه الكلب لحفظه للإنسان. قيل : ويحتمل أن يراد بالكاليء الرجل على ما روي إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الربيئة المستخفي بنفسه. وقرأ أبو جعفر الصادق : وكالبهم بالباء بواحدة أي صاحب كلبهم، كما تقول لابن وتامر أي صاحب لبن وتمر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
وقال الزمخشري :﴿بَـاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي، وإضافته إذا أضيف حقيقة معرفة كغلام زيد إلاّ إذا نويت حكاية الحال الماضية انتهى. وقوله لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي ليس إجماعاً، بل ذهب الكسائي وهشام، ومن أصحابنا أبو جعفر بن مضاء إلى أنه يجوز أن يعمل، وحجج الفريقين مذكورة في علم النحو.
والوصيد قال ابن عباس : الباب. وعنه أيضاً وعن مجاهد وابن جبير : الفناء. وعن قتادة : الصعيد والتراب. وقيل : العتبة. وعن ابن جبير أيضاً التراب. والخطاب في ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ﴾ لمن هو في قوله ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾ ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا﴾. وقرأ ابن وثاب والأعمش :﴿لَوِ اطَّلَعْتَ﴾ بضم الواو وصلاً. وقرأ الجمهور : بكسرها، وقد ذكر ضمها عن شيبة وأبي جعفر ونافع وغلبة الرعب لما ألقى الله عليهم من الهيبة والجلال، فمن رام الإطلاع عليهم أدركته تلك الهيبة.
ومعنى ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ﴾ أعرضت بوجهك عنهم. وأوليتهم كشحك، وانتصب ﴿فِرَارًا﴾ على المصدر إما لفررت محذوفة، وإما ﴿لَوَلَّيْتَ﴾ لأنه بمعنى لفررت، وإما مفعولاً من أجله. وانتصب ﴿رُعْبًا﴾ على أنه مفعول ثان، وأبعد من ذهب إلى أنه تمييز منقول من المفعول كقوله ﴿وَفَجَّرْنَا الارْضَ عُيُونًا﴾ على مذهب من أجاز نقل التمييز من المفعول، لأنك لو سلطت عليه الفعل ما تعدى إليه تعدى المفعول به بخلاف، ﴿وَفَجَّرْنَا الارْضَ عُيُونًا﴾ وقيل : سبب الرعب طول شعورهم وأظفارهم وصفرة وجوههم وتغيير أطمارهم. وقيل : لإظلام المكان وإيحاشه، وليس هذان القولان بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ولأن الذي بعث إلى المدينة لم ينكر إلاّ العالم والبناء لا حاله في نفسه، ولأنهم بحالة حسنة بحيث
١٠٩
لا يفرق الرائي بينهم وبين الأيقاظ ﴿وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ﴾ تتخرقه الرياح والمكان الذي بهذه الصورة لا يكون موحشاً. وقرأ ابن عباس، والحرميان، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة بتشديد اللام والهمزة. وقرأ باقي السبعة بتخفيف اللام والهمزة. وقرأ أبو جعفر وشيبة بتشديد اللام وإبدال الياء من الهمزة. وقرأ الزهري بتخفيف اللام والإبدال، وتقدم الخلاف في ﴿رُعْبًا﴾ في آل عمران. وقرأ هنا بضم العين أبو جعفر وعيسى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
﴿وَكَذَالِكَ بَعَثْنَـاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُم قَالَ قَآاِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍا قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا﴾.
الكاف للتشبيه والإشارة بذلك. قيل إلى المصدر المفهوم من ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ﴾ أي مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة الطويلة آية، جعلنا بعثهم آية. قاله الزجاج وحسنه الزمخشري. فقال : وكما أنمناهم تلك النومة ﴿وَكَذَالِكَ بَعَثْنَـاهُمْ﴾ إذكاراً بقدرته على الإماتة والبعث جميعاً، ليسأل بعضهم بعضاً ويتعرّفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله، ويزداد يقيناً ويشكر وأما أنعم الله به عليهم وكرموا به انتهى. وناسب هذا التشبيه قوله تعالى حين أورد قصتهم أولاً مختصرة ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَـاهُمْ﴾.