والظاهر أن الضمير في ﴿سَيَقُولُونَ﴾ عائد على من تقدم ذكرهم وهم المتنازعون في حديثهم قبل ظهورهم عليهم، فأخبر تعالى نبيه بما كان من اختلاف قومهم في عددهم وكون الضمير عائداً على ما قلنا ذكره الماوردي. وقيل : يعود على نصارى نجران تناظروا مع الرسول صلى الله عليه وسلّم في عددهم. فقالت الملكانية : الجملة الأولى، واليعقوبية الجملة الثانية، والنسطورية الجملة الثالثة، وهذا يروي عن ابن عباس. وفي الكشاف أن السيد قال الجملة الأولى وكان يعقوبياً، والعاقب قال الثانية وكان نسطورياً، والمسلمون قالوا الثالثة وأصابوا وعرفوا ذلك بإخبار الرسول عن جبريل عليهما الصلاة والسلام، فتكون الضمائر في ﴿سَيَقُولُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ عائداً بعضها على نصارى نجران، وبعضها على المؤمنين. وعن عليّ هم سبعة نفر أسماؤهم تمليخاً، ومكشلبيناً ومشلبيناً هؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره مرنوش، ودبرنوش، وشاذنوش وكان يستثير هؤلاء الستة في أمره، والسابع الراعي الذي وافقهم، هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم أفسوس واسم كلبهم قطمير انتهى.
وقال ابن عطية الضمير في قوله ﴿سَيَقُولُونَ﴾ يراد به أهل التوراة من معاصري محمد صلى الله عليه وسلّم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص انتهى. قيل : وجاء بسين الاستقبال لأنه كانه في الكلام طي وإدماج، والتقدير فإذا أجبتهم عن سؤالهم وقصصت عليهم قصة أهل الكهف فسلهم عن عددهم فإنهم إذا سألتهم ﴿سَيَقُولُونَ﴾. وقرأ ابن محيصن ثلاث بإدغام الثاء في التاء، وحسن ذلك لقرب مخرجهما وكونهما مهموسين، لأن الساكن الذي قبل الثاء من حروف اللين فحسن ذلك، ويقولون لم يأت بالسين فيه
١١٣
ولا فيما بعده لأنه معطوف على المستقبل فدخل في الاستقبال، أو لأنه أريد به معنى الاستقبال الذي هو صالح له. وقرأ شبل بن عباد عن ابن كثير بفتح ميم ﴿خَمْسَةٌ﴾ وهي لغة كعشرة. وقرأ ابن محيصن بكسر الخاء والميم وبإدغام التاء في السين، وعنه أيضاً إدغام التنوين في السين بغير غنة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
﴿رَجْمَا بِالْغَيْبِ﴾ رمياً بالشيء المغيب عنهم أو ظناً، استعير من الرجم كأن الإنسان يرمي الموضع المجهول عنده بظنه المرة بعد المرة يرجم به عسى أن يصيب، ومنه الترجمان وترجمة الكتاب. وقول زهير :
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتموما هو عنها بالحديث المرجم أي المظنون، وأتت هذه عقب ما تقدم ليدل على أن قائل تلك المقالتين لم يقولوا ذلك عن علم وإنما قالوا ذلك على سبيل التخمين والحدس، وجاءت المقالة الثالثة خالية عن هذا القيد مشعرة أنها هي المقالة الصادقة كما تقدم ذكر ذلك عن عليّ. وعن رسول الله عن جبريل عليهما الصلاة والسلام. وانتصب ﴿رَجْمَا ﴾ على أنه مصدر لفعل مضمر أي يرجمون بذلك، أو لتضمين ﴿سَيَقُولُونَ﴾ و﴿يَقُولُونَ﴾ معنى يرجمون، أو لكونه مفعولاً من أجله أي قالوا ذلك لرميهم بالخبر الخفي أو لظنهم ذلك، أي الحامل لهم على هذا القول هو الرجم بالغيب.
و﴿ثَلَـاثَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والجملة بعده صفة أي هم ثلاثة أشخاص، وإنما قدرنا أشخاصاً لأن ﴿رَّابِعُهُمْ﴾ اسم فاعل أضيف إلى الضمير، والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد، فلو قدر ﴿ثَلَـاثَةٌ﴾ رجال استحال أن يصير ثلاثة رجال أربعة لاختلاف الجنسين، والواو في ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ للعطف على الجملة السابقة أي ﴿يَقُولُونَ﴾ هم ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ فأخبروا أولاً بسبعة رجال جزماً، ثم أخبروا اخباراً ثانياً أن ﴿رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ بخلاف القولين السابقين، فإن كلاً منهما جملة واحدة وصف المحدث عنه بصفة، ولم يعطف الجملة عليه. وذكر عن أبي بكر بن عياش وابن خالويه أنها واو الثمانية، وأن قريشاً إذا تحدثت تقول ستة سبعة وثمانية تسعة فتدخل الواو في الثمانية، وكونهما جملتين معطوف إحداهما على الأخرى مؤذن بالتثبيت في الإخبار بخلاف ما تقدم فإنهم أخبروا بشيء موصوف بشيء لم يتأخر عن الإخبار، ولذلك جاء فيه ﴿رَجْمَا بِالْغَيْبِ﴾ ولم يجيء في هاتين الجملتين بشيء يقدح فيهما. وقرىء وثامنهم كالبهم أي صاحب كلبهم، وزعم بعضهم أنهم ثمانية رجال، واستدل بهذه القراءة وأول قوله وكلبهم على حذف مضاف، أي وصاحب كلبهم. وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ ليس داخلاً تحت قولهم بل لقولهم هو قوله :﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ﴾ ثم أخبر تعالى بهذا على سبيل الاستئناف، وإذا كان استئنافاً من الله دل ذلك على أنهم ثمانية بالكلب، وأما ﴿رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ و﴿سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ فهو من جملة المحكي من قولهم، لأن كلاً من الجملتين صفة، وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١