وقال الزمخشري : فإن قلت : فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولتين ؟ قلت : هي الواو التي تدخل على الجملة
١١٤
الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة في نحو قولك : جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله عز وعلا ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على اتصافه أمر ثابت مستقر، وهي الواو التي آذنت بأن الدين قالوا ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم انتهى.
وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شيء لا يعرفه النحويون، بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلاّ إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالاً على المغايرة، وأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف هذا في الأسماء المفردة، وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها، وقد ردوا على من ذهب إلى أن قول سيبويه، وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل هو على أن وليس باسم ولا فعل صفة لقوله لمعنى، وأن الواو دخلت في الجملة بأن ذلك ليس من كلام العرب مررت برجل ويأكل على تقدير الصفة. وأما قوله تعالى ﴿إِلا وَلَهَا﴾ فالجملة حالية ويكفي رداً لقول الزمخشري : إنّا لا نعلم أحداً من علماء النحو ذهب إلى ذلك، ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره تعالى أن يقول ﴿قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ أي لا يخبر بعددهم إلا من يعلمهم حقيقة وهو الله تعالى ﴿مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ﴾ والمثبت في حق الله تعالى هو الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض. قيل : من الملائكة. وقيل : من العلماء وعلم القليل لا يكون إلاّ بإعلام الله.
وقال ابن عباس : أنا من القليل، ثم نهاه تعالى عن الجدال فيهم أي في عدتهم، والمراء وسمي مراجعته لهم ﴿مِرَآءً﴾ على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك، وقيده بقوله ظاهراً أي غير متعمق فيه وهو إن نقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل ولا تعنيف كما قال ﴿وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾. وقال ابن زيد :﴿مِرَآءً ظَـاهِرًا﴾ هو قولك لهم ليس كما تعلمون. وحكي الماوردي إلاّ بحجة ظاهرة. وقال ابن الأنباري : إلاّ جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر، والله تعالى ألقي إليك ما لا يشوبه باطل. وقال ابن بحر :﴿ظَـاهِرًا﴾ يشهده الناس. وقال التبريزي :﴿ظَـاهِرًا﴾ ذاهباً بحجة الخصم. وأنشد :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي ذاهب، ثم نهاه أن يسأل أحداً من أهل الكتاب عن قصتهم لا سؤال متعنت لأنه خلاف ما أمرت به من الجدال بالتي هي أحسن، ولا سؤال مسترشد لأنه تعالى قد أرشدك بأن أوحي إليك قصتهم، ثم نهاه أن يخبر بأنه يفعل في الزمن المستقبل شيئاً إلاّ ويقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، وتقدم في سبب النزول أنه عليه السلام حين سأله قريش عن أهل الكهف والخضر والروح قال :"غداً أخبركم". ولم يقل إن شاء الله، فتأخر عنه الوحي مدة. قيل : خمسة عشر يوماً. وقيل : أربعين و﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ استثناء لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يكون داخلاً تحت القول، فيكون من ينهي عنه، فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير.
فقال ابن عطية : في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز تقديره إلاّ أن تقول ﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ أو إلاّ أن تقول إن شاء الله، فالمعنى إلاّ أن تذكر مشيئة الله فليس ﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ من القول الذي نهى عنه. وقال الزمخشري :﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ متعلق بالنهي لا بقوله ﴿إِنِّى فَاعِلٌ﴾ لأنه لو قال ﴿إِنِّى فَاعِلٌ﴾ كذا ﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ كان معناه إلاّ أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك ما لا مدخل فيه للنهي وتعلقه بالنهي على وجهين.
أحدهما : ولا تقولنّ ذلك القول إلاّ أن يشاء الله أن تقوله بأن ذلك فيه.
والثاني : ولا تقولنه إلاّ بأن يشاء الله أي إلاّ بمشيئته وهو في موضع الحال، أي إلاّ ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله. وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إلاّ أن يشاء الله في معنى كلمة ثانية كأنه قيل : ولا تقولنه أبداً ونحوه ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّنَا ﴾ لأن عودهم في ملتهم مما لن يشاء الله، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قال :"ائتوني غداً أخبركم". ولم يستثن انتهى.
قال ابن عطية : وقالت فرقة هو استثناء من قوله ﴿وَلا تَقُولَنَّ﴾ وحكاه الطبري، ورد عليه وهو من الفساد من حيث كان الواجب أن لا يحكي انتهى. وتقدم تخريج الزمخشري : ذلك على أن
١١٥