قيل نزلت في أخوين من بني مخزوم الأسود بن عبد الأسود بن عبد ياليل وكان كافراً، وأبي سلمة عبد الله بن الأسود كان مؤمناً. وقيل : أخوان من بني إسرائيل فرطوس وهو الكافر وقيل : اسمه قطفير، ويهوذاً وهو المؤمن في قول ابن عباس. وقال مقاتل : اسمه تمليخاً وهو المذكور في الصافات في قوله ﴿قَالَ قَآاِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ﴾ وعن ابن عباس أنهما ابنا ملك من بني إسرائيل أنفق أحدهما ماله في سبيل الله وكفر الآخر واشتغل بزينة الدنيا وتنمية ماله. وعن مكي أنهما رجلان من بني إسرائيل اشتركاً في مال كافر ستة آلاف فاقتسماها. وروي أنهما كانا حدادين كسبا مالاً. وروي أنهما ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فاشترى الكافر أرضاً بألف وبني داراً بألف وتزوج امرأة بألف واشترى خدماً ومتاعاً بألف، واشترى المؤمن أرضاً في الجنة بألف فتصدق به، وجعل ألفاً صداقاً للحور فتصدق به، واشترى الولدان المخلدين بألف فتصدق به، ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقة فمر في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصديق بماله.
والضمير في ﴿لَهُمْ﴾ عائد على المتجبرين الطالبين من الرسول صلى الله عليه وسلّم طرد الضعفاء المؤمنين، فالرجل الكافر بإزاء المتجبرين والرجل المؤمن بإزاء ضعفاء المؤمنين، وظهر بضرب هذا المثل الربط بين هذه الآية والتي قبلها إذ كان من أشرك إنما افتخر بماله وأنصاره، وهذا قد يزول فيصير الغني فقيراً، وإنما المفاخرة بطاعة الله والتقدير ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا﴾ قصة ﴿رَّجُلَيْنِ﴾ وجعلنا تفسير للمثل فلا موضع له من الإعراب، ويجوز أن يكون موضعه نصباً نعتاً لرجلين. وأبهم في قوله ﴿جَعَلْنَا لاحَدِهِمَا﴾ وتبين أنه هو الكافر الشاك في البعث، وأبهم تعالى مكان الجنتين إذ لا يتعلق بتعيينه كبير فائدة. وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين وكانتا لأخوين، فباع أحدهما نصيبه من الآخر وأنفقه في طاعة الله حتى عيره الآخر، وجرت بينهما هذه المحاورة قال : فغرقها الله في ليلة وإياهما عنى بهذه الآية. قال ابن عطية : وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله فإن المرء لا يكاد يتخيل أجل منهما في مكاسب الناس جنتا عنب أحاط بهما نخل بينهما فسحة هي مزدرع لجميع الحبوب والماء المعين، يسقي جيمع ذلك من النهر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
وقال الزمخشري :﴿جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَـابٍ﴾ بساتين من كروم، ﴿وَحَفَفْنَـاهُمَا﴾ ﴿بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا﴾ النخل محيطاً بالجنتين، وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة انتهى. وقرأ الجمهور ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ﴾ وفي مصحف عبد الله كلا الجنتين، أتى بصيغة التذكير لأن تأنيث الجنتين مجازي، ثم قرأ ﴿ءَاتَتْ﴾ فأنث لأنه ضمير مؤنث، فصار نظير قولهم طلع الشمس وأشرقت. وقال الفراء في قراءة ابن مسعود : كل الجنتين آتى أكله انتهى فأعاد الضمير على كل. وقال الزمخشري : جعلها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينهما مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق، ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب، فجعله أفضل ما يسقي به وهو السيح بالنهر الجاري فيها والأكل الثمر.
وقرأ الجمهور ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ بتشديد الجيم. وقال الفراء : إنما شدد ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ وهو نهر واحد لأن النهر يمتد فكان التفجر فيه كله أعلم الله تعالى أن شربهما كان من نهر واحد وهو أغزر الشرب. وقرأ الأعمش وسلام ويعقوب وعيسى بن عمر بتخفيف الجيم
١٢٤
وكذا قرأ الأعمش في سورة القمر، والتشديد في سورة القمر أظهر لقوله ﴿عُيُونًا﴾ وقوله هنا ﴿نَهَرًا﴾ وانتصب ﴿خِلَـالَهُمَا﴾ على الظرف أي وسطهما، كان النهر يجري من داخل الجنتين. وقرأ الجمهور ﴿نَهَرًا﴾ بفتح الهاء. وقرأ أبو السمال والفياض بن غزوان وطلحة بن سليمان بسكون الهاء. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير ونافع وجماعة قراء المدينة :﴿ثَمَرٌ﴾ وبثمره بضم الثاء والميم جمع ثمار. وقرأ الأعمش وأبو رجاء وأبو عمرو بإسكان الميم فيهما تخفيفاً أو جمع ثمرة كبدنة وبدن. وقرأ أبو جعفر والحسن وجابر بن زيد والحجاج وعاصم وأبو حاتم ويعقوب عن رويس عنه بفتح الثاء والميم فيهما. وقرأ رويس عن يعقوب ﴿ثَمَرٌ﴾ بضمهما وبثمره بفتحهما فيمن قرأ بالضم. قال ابن عباس وقتادة الثمر جميع المال من الذهب والحيوان وغير ذلك. وقال النابغة :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣


الصفحة التالية
Icon