مهلاً فداء لك الأقوام كلهموما أثمروا من مال ومن ولد وقال مجاهد : يراد بها الذهب والفضة خاصة. وقال ابن زيد : هي الأصول فيها الثمر. وقال أبو عمرو ابن العلاء : الثمر المال، فعلى هذا المعنى أنه كانت له إلى الجنتين أموال كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما، فكان متمكناً من عمارة الجنتين. وأما من قرأ بالفتح فلا إشكال أنه يعني به حمل الشجر. وقرأ أبو رجاء في رواية ﴿ثَمَرٌ﴾ بفتح الثاء وسكون الميم، وفي مصحف أبيّ وآتيناه ثمراً كثيراً، وينبغي أن يجعل تفسيراً.
ويظهر من قوله ﴿فَقَالَ لِصَـاحِبِهِ﴾ أنه ليس أخاه، ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُا﴾ جملة حالية، والظاهر أن ذا الحال هو القائل أي يراجعه الكلام في إنكاره البعث، وفي إشراكه بالله. وقيل : هي حال من صاحبه أي المسلم كان يحاوره بالوعظ والدعاء إلى الله وإلى الإيمان بالبعث، والظاهر كون أفعل للتفضيل وأن صاحبه كان له مال ونفر ولم يكن سبروتاً كما ذكر أهل التاريخ، وأنه جاء يستعطيه ويدل على ذلك كونه قابله بقوله ﴿إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ وهذا على عادة الكفار في الافتخار بكثرة المال وعزة العشيرة والتكبير والاغترار بما نالوه من حطام الدنيا، ومقالته تلك لصاحبه بإزاء مقالة عيينة والأقرع للرسول صلى الله عليه وسلّم : نحن سادات العرب وأهل الوبر والمدر، فنح عنا سلمان وقرناءه.
وعنى بالنفر أنصاره وحشمه. وقيل : أولاداً ذكوراً لأنهم ينفرون معه دون الإناث، واستدل على أنه لم يكن أخاه بقوله :﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ إذ لو كان أخاه لكان نفره وعشيرته نفر أخيه وعشيرته، وعلى التفسيرين السابقين لا يرد هذا. أما من فسر النفر بالعشيرة التي هي مشتركة بينهما فيرد، وأفرد الجنة في قوله ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ من حيث الوجود كذلك لأنه لا يدخلهما معاً في وقت واحد.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أفرد الجنة بعد التثنية ؟ قلت : معناه ودخل ما هو جنته ماله جنة غيرها، يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما انتهى.
ولا يتصور ما قال لأن قوله ودخل جنته إخبار من الله تعالى بدخول ذلك الكافر جنته فلا بد أن قصد في الإخبار أنه دخل إحدى جنتيه إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقت واحد، والمعنى ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ يري صاحبه ما هي عليه من البهجة والنضارة والحسن. ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ جملة حالية أي وهو كافر بنعمة ربه مغتر بما ملكه شاك في نفاد ما خوله. وفي البعث الذي حاوره فيه صاحبه، والظاهر أن الإشارة بقوله ﴿هَـاذِهِ﴾ إلى الجنة التي دخلها، وعنى بالأبد أبد حياته وذلك لطول أمله وتمادي غفلته، ولحسن قيامه عليها بما أوتي من المال والخدم فهي باقية مدة حياته على حالها من الحسن والنضارة، والحس يقتضي أن أحوال الدنيا بأسرها غير باقية أو يكون قائلاً بقدم العالم، وأن ما حوته هذه الجنة فنيت أشخاص أثمارها فتخلفها أشخاص أخر، وكذا دائماً. ويبعد قول من قال : يحتمل أن يشير بهذه إلى الهيئة
١٢٥
من السموات والأرض وأنواع المخلوقات، ودل كلامه على أن المحاورة التي كانت بينهما هي في فناء هذا العالم الذي هذه الجنة جزء منه، وفي البعث الآخروي أن صاحبه كان تقرر له هذان الأمران وهو يشك فيهما.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
ثم أقسم على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وقياس الأخرى على الدنيا وكما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا تطمعاً، وتمنياً على الله، وادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين في الدنيا إلاّ لاستحقاقه، وأن معه هذا الاستحقاق أين توجه كقوله ﴿إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى ﴾.
وأما ما حكي الله تعالى عما قاله العاص بن وائل لأوتين مالاً وولداً فليس على حد مقالة هذا لصاحبه لأن العاصي قصد الاستخفاف وهو مصمم على التكذيب، وهذا قال ما معناه إن كان ثم رجوع فسيكون حالي كذا وكذا. وقرأ ابن الزبير وزيد بن عليّ وأبو بحرية وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد وابن مناذر ونافع وابن كثير وابن عامر منهما على التثنية وعود الضمير على الجنتين، وكذا في مصاحف مكة والمدينة والشام. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو ﴿مِّنْهَا﴾ على التوحيد وعود الضمير على الجنة المدخولة وكذا في مصاحف الكوفة والبصرة، ومعنى ﴿مُنقَلَبًا﴾ مرجعاً وعاقبة أي منقلب الآخرة لبقائها خير من منقلب الدنيا لزوالها، وانتصب ﴿مُنقَلَبًا﴾ على التمييز المنقول من المبتدأ.
﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا * لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِا إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾.
١٢٦


الصفحة التالية
Icon