﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُا﴾ حال من الفاعل وهو صاحبه المؤمن. وقرأ أبيّ وهو يخاصمه وهي قراءة تفسير لا قراءة رواية لمخالفته سواد المصحف، ولأن الذي روي بالتواتر ﴿هُوَ﴾ لا يخاصمه. و﴿أَكَفَرْتَ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ حيث أشرك مع الله غيره. وقرأ ثابت البناني : ويلك ﴿أَكَفَرْتَ﴾ وهو تفسير معنى التوبيخ والإنكار لا قراءة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، ثم نبهه على أصل نشأته وإيجاده بعد العدم وأن ذلك دليل على جواز البعث من القبور، ثم تحتم ذلك بإخبار الصادقين وهم الرسل عليهم السلام. وقوله ﴿خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ﴾ إما أن يراد خلق أصلك ﴿مِن تُرَابٍ﴾ وهو آدم عليه السلام وخلق أصله سبب في خلقه فكان خلقه خلقاً له، أو أريد أن ماء الرجل يتولد من أغذية راجعة إلى التراب، فنبهه أولاً على ما تولد منه ماء أبيه ثم ثانيه على النطفة التي هي ماء أبيه. وأما ما نقل من أن ملكاً وكلّ بالنطفة يلقى فيها قليلاً من تراب قبل دخولها في الرحم فيحتاج إلى صحة نقل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
ثم نبهه على تسويته رجلاً وهو خلقه معتدلاً صحيح الأعضاء، ويقال للغلام إذا تمّ شبابه قد استوى. وقيل : ذكره بنعمة الله عليه في كونه رجلاً ولم يخلقه أنثى، نبهه بهذه التنقلات على كمال قدرته وأنه لا يعجزه شيء. قال الزمخشري :﴿سَوَّاكَ﴾ عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال، جعله كافر بالله جاحداً لأنعمه لشكه في البعث كما يكون المكذب بالرسول كافراً انتهى. وانتصب ﴿رَجُلا﴾ على الحال. وقال الحوفي ﴿رَجُلا﴾ نصب بسوى أي جعلك ﴿رَجُلا﴾ فظاهره أنه عدي سوي إلى اثنين، ولما لم يكن الاستفهام استفهام استعلام وإنما هو استفهام إنكار وتوبيخ فهو في الحقيقة تقرير على كفره وإخبار عنه به لأن معناه قد كفرت بالذي استدرك هو مخبراً عن نفسه، فقال ﴿لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ إقرار بتوحيد الله وأنه لا يشرك به غيره.
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو وابن كثير ونافع في رواية ورش وقالون لكن بتشديد النون بغير ألف في الوصل وبألف في الوقف وأصله، ولكن أنا نقل حركة الهمزة إلى نون ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ وحذف الهمزة فالتقى
١٢٧
مثلان فأدغم أحدهما في الآخر. وقيل : حذف الهمزة من أنا على غير قياس فالتقت نون ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ وهي ساكنة مع نون أنا فأدغمت فيها، وأما في الوقف فإنه أثبت ألف أنا وهو المشهور في الوقف على أنا، وأما في الوصل فالمشهور حذفها وقد أبدلها ألفاً في الوقف أبو عمر وفي رواية فوقف لكنه ذكره ابن خالويه. وقال ابن عطية : وروي هارون عن أبي عمرو لكنه ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ بضمير لحق ﴿لَّـاكِنَّا ﴾. وقرأ ابن عامر ونافع في رواية المسيلي وزيد بن عليّ والحسن والزهري وأبو بحرية ويعقوب في رواية وأبو عمر وفي رواية وكردم وورش في رواية وأبو جعفر بإثبات الألف وقفاً ووصلاً، أما في الوقف فظاهر، وأما في الوصل فبنو تميم يثبتونها فيه في الكلام وغيرهم في الاضطرار فجاء على لغة بني تميم. وعن أبي جعفر حذف الألف وصلاً ووقفاً وذلك من رواية الهاشمي، ودل إثباتها في الوصل أيضاً على أن أصل ذلك ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ أنا.
وقال الزمخشري : وحسن ذلك يعني إثبات الألف في الوصل وقوع الألف عوضاً من حذف الهمزة انتهى. ويدل على ذلك أيضاً قراءة فرقة لكننا بحذف الهمزة وتخفيف النونين. وقال أيضاً الزمخشري ونحوه يعني ونحو إدغام نون ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ في نون أنا بعد حذف الهمزة قول القائل :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
وترمينني بالطرف أي أنت مذنبوتقلينني لكن إياك لا أقلي
أي لكن أنا لا أقليك انتهى. ولا يتعين ما قاله في البيت لجواز أن يكون التقدير لكنني فحذف اسم لكن وذكروا أن حذفه فصيح إذا دل عليه الكلام، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر :
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتيولكن زنجي عظيم المشافر