جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة فقال ﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ كقوله ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾. وقال :
١٣٣
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾.
٤٤٨
وقال ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾. وقال ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ والمعنى أنه ينفك نظام هذا العالم الدنيوي ويؤتي بالعالم الأخروي، وانتصب ﴿وَيَوْمَ﴾ على إضمار اذكر أو بالفعل المضمر عند قوله ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ أي قلنا يوم كذا لقد. وقرأ نافع وحمزة والكسائي والأعرج وشيبة وعاصم وابن مصرّف وأبو عبد الرحمن ﴿نُسَيِّرُ﴾ بنون العظمة الجبال بالنصب، وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى والزهري وحميد وطلحة واليزيدي والزبيري عن رجاله عن يعقوب بضم التاء وفتح الياء المشددة مبنياً للمفعول ﴿الْجِبَالَ﴾ بالرفع وعن الحسن كذلك إلاّ أنه بضم الياء باثنتين من تحتها، وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمر وتسير من سارت الجبال. وقرأ أبيّ سيرت الجبال ﴿وَتَرَى الارْضَ بَارِزَةً﴾ أي منكشفة ظاهرة لذهاب الجبال والظراب والشجر والعمارة، أو ترى أهل الأرض بارزين من بطنها. وقرأ عيسى ﴿وَتَرَى الارْضَ﴾ مبنياً للمفعول ﴿وَحَشَرْنَـاهُمْ﴾ أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم جيء بحشرناهم ماضياً بعد تسير وترى ؟ قلت : للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم، كأنه قيل :﴿وَحَشَرْنَـاهُمْ﴾ قبل ذلك انتهى. والأولى أن تكون الواو واو الحال لا واو العطف، والمعنى وقد أي يوقع التسيير في حالة حشرهم. وقيل :﴿بَارِزَةً وَحَشَرْنَـاهُمْ﴾ ﴿وَعُرِضُوا ﴾ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَـابُ﴾ مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوعه. وقرأ الجمهور : نغادر بنون العظمة وقتادة تغادر على الإسناد إلى القدرة أو الأرض، وأبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنياً للمفعول واحد بالرفع وعصمة كذلك، والضحاك نغدر بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال، وانتصب ﴿صَفًّا﴾ على الحال وهو مفرد تنّزل منزلة الجمع أي صفوفاً. وفي الحديث الصحيح :"يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفاً يسمعهم الداعي وينفذهم البصر". الحديث بطوله وفي حديث آخر :"أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفاً أنتم منها ثمانون صفاً". أو انتصب على المصدر الموضوع موضع الحال أي مصطفين. وقيل : المعنى ﴿صَفًّا﴾ صفاً فحذف صفاً وهو مراد، وهذا التكرار منبيء عن استيفاء الصفوف إلى آخرها، شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان مصطفين ظاهرين يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحداً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ معمول لقول محذوف أي وقلنا ﴿كَمَا خَلَقْنَـاكُمْ﴾ نعت لمصدر محذوف أي مجيئاً مثل مجيء خلقكم أي "حفاة عراة غرلاً" كما جاء في الحديث، وخالين من المال والولد و﴿ءَانٍ﴾ هنا مخففة من الثقيلة. وفصل بينها وبين الفعل بحرف النفي وهو ﴿لَن﴾ كما فصل في قوله ﴿أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَلَّن نَّجْمَعَ﴾ و﴿بَلْ﴾ للإضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الإبطال، والمعنى أن لن نجمع لإعادتكم وحشركم ﴿مَّوْعِدًا﴾ أي مكان وعد أو زمان وعد لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور، والخطاب في ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم.
﴿وَوُضِعَ الْكِتَـابُ﴾ وقرأ زيد بن عليّ ﴿وَوُضِعَ﴾ مبنياً للفاعل ﴿الْكِتَـابُ﴾ بالنصب. و﴿الْكِتَـابُ﴾ اسم جنس أي كتب أعمال الخلق، ويجوز أن تكون الصحائف كلها جعلت كتاباً واحداً ووضعته الملائكة لمحاسبة الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضحهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي، ونادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا يا ويلنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا، وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقوله ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ﴾ ﴿نَفْسٌ يَـاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ﴾ ﴿قَالُوا يَـاوَيْلَنَا مَنا بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ وقول الشاعر :
١٣٤
يا عجباً لهذه الفليقةفيا عجباً من رحلها المتحمل


الصفحة التالية
Icon