بوصف النكرة، فهو الوصف، وقيل : هما يجريان مجرى العباس، وعباس فهو في الحالين اسم العلم. انتهى. وهذا خطأ، إذ لو كان حاله نزع منه علماً، ما جاز أن يوصف بالنكرة. ألا ترى إلى قوله :﴿وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾، ﴿الر تِلْكَ﴾، وأنت لا تقول : مررت بعباس قائم، تريد به الوصف ؟ وقرأ ابن أبي عبلة : وكتاب مبين، برفعهما، التقدير : وآيات كتاب، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب بإعرابه. وهنا تقدم القرآن على الكتاب، وفي الحجر عكسه، ولا يظهر فرق، وهذا كالمعاطفين في نحو : ما جاء زيد وعمرو. فتارة يظهر ترجيح كقوله :﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لا إله إِلا هُوَ وَالْمَلَئاِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ﴾، وتارة لا يظهر كقوله :﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾.
قال يحيى بن سلام :﴿هُدًى﴾ إلى الجنة، ﴿وَبُشْرَى ﴾ بالثواب. وقال الشعبي : هدى من الضلال، وبشرى بالجنة، وهدى وبشرى مقصوران، فاحتمل أن يكونا منصوبين على الحال، أي هادية ومبشرة. قيل : والعامل في الحال ما في تلك من معنى الإشارة، واحتمل أن يكونا مصدرين، واحتملا الرفع على إضمار مبتدأ. أي هي هدى وبشرى ؛ أو على البدل من آيات ؛ أو على خبر بعد خبر، أي جمعت بين كونها آيات وهدى وبشرى. ومعنى كونها هدى للمؤمنين : زيادة هداهم. قال تعالى :﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ﴾. وقيل : هدى لجميع الخلق، ويكون الهدى بمعنى الدلالة والإرشاد والتبيين، لا بمعنى تحصيل الهدى الذي هو مقابل الضلال. ﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ خاصة، وقيل : هدى للمؤمنين وبشرى للمؤمنين، وخصهم بالذكر لانتفاعهم به.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
﴿وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ : تحتمل هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة ﴿الَّذِينَ﴾. ولما كان :﴿يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ وَيُؤْتُونَ﴾ مما يتجدد ولا يستغرق الأزمان، جاءت الصلة فعلاً. ولما كان الإيمان بالآخرة بما هو ثابت عندهم مستقر الديمومة، جاءت الجملة اسمية، وأكدت المسند إليه فيها بتكراره، فقيل :﴿وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وجاء خبر المبتدأ فعلاً ليدل على الديمومة، واحتمل أن تكون الجملة استئناف إخبار. قال الزمخشري : ويحتمل أن تتم الصلة عنده، أي عند قوله :﴿وَهُم﴾، قال : وتكون الجملة اعتراضية، كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، وهو الوجه، ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو هم، حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق. انتهى. وقوله : وتكون الجملة اعتراضية، هو على غير اصطلاح النحاة في الجملة الاعتراضية من كونها لا تقع إلا بين شيئين متعلق بعضهما ببعض، كوقوعها بين صلة موصول، وبين جزأي إسناد، وبين شرط وجزائه، وبين نعت ومنعوت، وبين قسم ومقسم عليه، وهنا ليست واقعة بين شيئين مما ذكر وقوله الخ. حتى صار معناها فيه دسيسة الاعتزال. وقال ابن عطية : والزكاة هنا يحتمل أن تكون غير المفروضة ؛ لأن السورة مكية قديمة، ويحتمل أن تكون المفروضة من غير تفسير. وقيل : الزكاة هنا بمعنى الطهارة من النقائص وملازمة مكارم الأخلاق. انتهى.
ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث، ذكر المنكرين والإشارة إلى قريش ومن جرى مجراهم في إنكار البعث. والأعمال، إما أن تكون أعمال الخير والتوحيد التي كان الواجب عليهم أن تكون أعمالهم، فعموا عنها وتردّدوا وتجيزوا، وينسب هذا القول إلى الحسن البصري ؛ أو أعمال الكفر والضلال، فيكون تعالى قد حبب ذلك إليهم وزينه بأن خلقه في نفوسهم، فرأوا تلك الأعمال القبيحة حسنة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أسند تزين أعمالهم إلى ذاته، وأسنده إلى الشيطان في قوله :﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ﴾ ؟ قلت : بين الإسنادين فرق، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله
٥٣
تعالى مجاز، وله طريقان في علم البيان : أحدهما : أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة. والثاني : أن يكون من المجاز المحكي.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
فالطريق الأول : أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله عليهم بذلك وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الترفه ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، وإليه إشارة الملائكة بقولهم :﴿وَلَـاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾. : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند إليه، لأنه المختار المحكي ببعض الملابسات. انتهى، وهو تأويل على طريق الاعتزال.


الصفحة التالية
Icon