﴿وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ أُوالَئاِكَ﴾ : إشارة إلى منكري البعث، و﴿سُواءُ الْعَذَابِ﴾ : الظاهر أنه ليس مقيداً بالدنيا، بل لهم ذلك في الدنيا والآخرة. وقيل : المعنى في الدنيا، وفسر بما نالهم يوم بدر من القتل والأسر والنهب. وقيل : ما ينالونه عند الموت وما بعده من عذاب القبر. وسوء العذاب : شدته وعظمه. والظاهر أن ﴿الاخْسَرُونَ﴾ أفعل التفضيل، وذلك أن الكافر خسر الدنيا والآخرة، كما أخبر عنه تعالى، وهو في الآخرة أكثر خسراناً، إذ مآله إلى عقاب دائم. وأما في الدنيا، فإذا أصابه بلاء، فقد يزول عنه وينكشف. فكثرة الخسران وزيادته، إنما ذلك له في الآخرة، وقد ترتب الأكثرية، وإن كان المسند إليه واحداً بالنسبة إلى الزمان والمكان، أو الهيئة، أو غير ذلك مما يقبل الزيادة. وقال الكرماني : أفعل هنا للمبالغة لا للشركة، كأنه يقول : ليس للمؤمن خسران ألبتة حتى يشركه فيه الكافر ويزيد عليه، وقد بينا كيفية الاشتراك بالنسبة إلى الدنيا والآخرة. وقال ابن عطية : والأخسرون جمع أخسر، لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف، فتقوى رتبته في الأسماء، وفي هذا نظر. انتهى. ولا نظر في كونه يجمع جمع سلامة وجمع تكسير. إذا كان بأل، بل لا يجوز فيه إلا ذلك، إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية فيقول : الزيدون هم الأفضلون، والأفاضل، والهندات هنّ الفضليات والفضل. وأما قوله : لا يجمع إلا أن يضاف، فلا يتعين إذ ذاك جمعه، بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه، وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإفراد على ما قرر ذلك في كتب النحو.
ولما تقدم :﴿تِلْكَ ءَايَـاتُ الْقُرْءَانِ﴾، خاطب نبيه بقوله :﴿وَإِنَّكَ﴾، أي هذا القرآن الذي تلقيته هو من عند الله تعالى، وهو الحكيم العليم، لا كما ادعاه المشركون من أنه إفك وأساطير وكهانة وشعر، وغير ذلك من تقوّلاتهم. وبنى الفعل للمفعول، وحذف الفاعل، وهو جبريل عليه السلام، للدلالة عليه في قوله :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ﴾. ولقي يتعدى إلى واحد، والتضعيف فيه للتعدية، فيعدى به إلى اثنين، وكأنه كان غائباً عنه فلقيه فتلقاه. قال ابن عطية : ومعناه يعطي، كما قال :﴿وَمَا يُلَقَّـاهَآ إِلا ذُو حَظِّ عَظِيمٍ﴾. وقال الحسن : المعنى وإنك لتقبل القرآن. وقيل : معناه تلقن. والحكمة : العلم بالأمور العملية، والعلم أعم منه، لأنه يكون عملياً ونظرياً، وكمال العلم : تعلقه بكل المعلومات وبقاؤه مصوناً عن كل التغيرات، ولا يكون ذلك إلا لله تعالى. وهذه الآية تمهيد لما يخبر به من المغيبات وبيان قصص الأمم الخالية، مما يدل على تلقيه ذلك من جهة الله، وإعلامه بلطيف حكمته دقيق علمه تعالى. قيل : وانتصب ﴿إِذْ﴾ باذكر مضمرة، أو بعليم ؛ وليس انتصابه بعليم واضحاً، إذ يصير الوصف مقيداً بالمعمول.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
وقد تقدم طرف من قصة موسى عليه السلام في رحلته بأهله من مدين : في سورة طه، وظاهر أهله جمع لقوله :﴿سَـاَاتِيكُم﴾ و﴿تَصْطَلُونَ﴾، وروي أنه لم يكن معه غير امرأته. وقيل : كانت ولدت له، وهو عند شعيب، ولداً، فكان مع أمه. فإن صح هذا النقل، كان من باب خطاب الجمع على سبيل الإكرام والتعظيم. وكان الطريق قد اشتبه عليه، والوقت بارد، والسير في ليل، فتشوقت نفسه، إذ رأى النار إلى زوال ما لحق من إضلال الطريق وشدة البرد فقال :﴿إِذْ قَالَ﴾ : أي من موقدها بخبر يدل على الطريق،
٥٤
﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لاهْلِهِ﴾ : أي إن لم يكن هناك من يخبر، فإني أستصحب ما تدفؤون به منها. وهذا الترديد بأو ظاهر، لأنه كان مطلوبه أولاً أن يلقي على النار من يخبره بالطريق، فإنه مسافر ليس بمقيم. فإن لم يكن أحد، فهو مقيم، فيحتاجون لدفع ضرر البرد، وهو أن يأتيهم بما يصطلون، فليس محتاجاً للشيئين معاً، بل لأحدهما الخبر إن وجد من يخبره فيرحل، أو الاصطلاء إن لم يجد وأقام. فمقصوده إما هداية الطريق، وإما اقتباس النار، وهو معنى قوله :﴿لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠