﴿وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنابٌ﴾ : أي قبلي قود ذنب، أو عقوبة، وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها، أو سمى تبعة الذنب ذنباً، كما سمى جزاء السيئة سيئة. وليس قول موسى ذلك تلكأ في أداء الرسالة، بل قال ذلك استدفاعاً لما يتوقعه منهم من القتل، وخاف أن يقتل قبل أداء الرسالة، ويدل على ذلك قوله : كلا، وهي كلمة الردع، ثم وعده تعالى بالكلاءة والدفع. وكلا رد لقوله :﴿إِنِّى أَخَافُ﴾، أي لا تخف ذلك، فإني قضيت بنصرك وظهورك. وقوله :﴿فَاذْهَبَا﴾، أمر لهما بخطاب لموسى فقط، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع، ولكنه قال لموسى :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ﴾. قال الزمخشري : جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله :﴿كَلا فَاذْهَبَا﴾، لأنه استدفعه بلاءهم، فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس المؤازرة بأخيه، فأجابه بقوله : اذهب، أي اذهب أنت والذي طلبته هارون. فإن قلت : علام عطف قوله اذهبا ؟ قلت : على الفعل الذي يدل عليه كلا، كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن، فاذهب أنت وهارون بآياتنا، يعم جميع ما بعثهما الله به، وأعظم ذلك العصا، وبها وقع العجز. قال ابن عطية : ولا خلاف أن موسى هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلفها، وأن هارون كان نبياً رسولاً معيناً له ووزيراً. انتهى. ومعكم، قيل : من وضع الجمع موضع المثنى، أي معكما. وقيل : هو على ظاهره من الجمع، والمراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه. وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى، والخطاب لموسى وهارون فقط، قال : لأن لفظة مع تباين من يكون كافراً، فإنه لا يقال الله معه. وعلى أنه أريد بالجمع التثنية، حمله سيبويه رحمه الله وكأنهما لشرفهما عند الله، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع، إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته.
قال ابن عطية :﴿مُّسْتَمِعُونَ﴾ اهتبالاً، ليس في صيغة سامعون، وإلا فليس يوصف الله تعالى بطلب الاستماع، وإنما القصد إظهار التهم ليعظم أنس موسى، أو يكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع. وقال الزمخشري :﴿مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ﴾ من مجاز الكلام، يريد أنا لكما ولعدوكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه، فأظهركما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه. انتهى. ويجوز أن يكون معه متعلقاً بمستمعون، وأن يكون خبراً ومستمعون خبر ثان. والمعية هنا مجاز، وكذلك الاستماع، لأنه بمعنى الإصغاء، ولا يلزم من الاستماع السماع، تقول : أسمع إليه، فما سمع واستمع إليه، فسمع كما قال :﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا﴾، وأفرد رسول هنا ولم يثن، كما في قوله :﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾، إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة، فجاز أن يقع مفرداً خبر المفرد فما فوقه، وإما لكونهما ذوي شريعة واحدة، فكأنهما رسول واحد. وأريد بقوله : أنا أوكل واحد منا رسول.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢
﴿وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾ فيه رد عليه، وأنه مربوب لله تعالى، بادهه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية، ولذلك أنكر فقال : وما رب العالمين والمعنى إليك، ﴿أَنْ أَرْسِلْ﴾ : يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول، وأن تكون مصدرية، وأرسل بمعنى
أطلق وسرح، كما تقول : أرسلت الحجر من يدي، وأرسلت لصقر. وكان موسى مبعوثاً إلى فرعون في أمرين : إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية، والإيمان بالله وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين، وكانت مسكن موسى وهارون.
﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّآلِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إسرائيل * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُا أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآاِكُمُ الاوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَـاِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـاهًَا غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِا إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَه فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـاظِرِينَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢