قال سيبويه : وذلك قليل في الشعر، شبهوه بالنفي حيث كان مجزوماً غير واجب. انتهى. وقد تنبه أبو البقاء لشيء من هذا قال : وقيل هو جواب الأمر، وهو ضعيف، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار. وأما تخريجه على البدل فلا يجوز، لأن مدلول ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ مخالف لمدلول ﴿ادْخُلُوا ﴾. وأما قوله : لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم، فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، والبدل من صفة الألفاظ. نعم لو كان اللفظ القرآني لا تكونوا حيث أنتم لا يحطمنكم لتخيل فيه البدل، لأن الأمر بدخول المساكن نهى عن كونهم في ظاهر الأرض. وأما قوله : أنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان إلى آخر، فيسوغ زيادة الأسماء، وهو لا يجوز، بل الظاهر إسناد الحطم إليه وإلى جنوده، وهو على حذف مضاف، أي خيل سليمان وجنوده، أو نحو ذلك مما يصح تقديره. ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ : جملة حالية، أي إن وقع حطم، فليس ذلك بتعمد منهم، إنما يقع وهم لا يعلمون بحطمنا، كقوله :﴿فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةُا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، وهذا التفات حسن، أي من عدل سليمان وأتباعه ورحمته ورفقه أن لا يحطم نملة فما فوقها إلا بأن لا يكون لهم شعور بذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
وما أحسن ما أتت به هذه النملة في قولها وأغربه وأفصحه وأجمعه للمعاني، أدركت فخامة ملك سليمان، فنادت وأمرت وأنذرت. وذكروا أنه جزى بينها وبين سليمان محاورات، وأهدت له نبقة، وأنشدوا أبياتاً في حقارة ما يهدى إلى العظيم، والاستعذار من ذلك، ودعاء سليمان للنمل بالبركة، والله أعلم بصحة ذلك أو افتعاله. والنمل حيوان قوي الحس شمام جداً، يدخر القوت، ويشق الحبة قطعتين لئلا تنبت، والكزبرة بأربع، لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت، وتأكل في عامها بعض ما تجمع، وتدخر الباقي عدة. وفي الحديث :"النهي عن قتل أربع من الدواب : الهدهد والصرد والنملة والنحلة"، خرجه أبو داود عن ابن عباس. وروي من حديث أبي هريرة : وتبسم سليمان عليه السلام، إما للعجب بما دل عليه قولها :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، وهو إدراكها رحمته وشفقته ورحمة عسكره، وإما للسرور بما آتاه الله مما لم يؤت أحداً، وهو إدراكه قول ما همس به، الذي هو مثل في الصغر، ولذلك دعا أن يوزعه الله شكر ما أنعم به عليه. وانتصب ضاحكاً على الحال، أي شارعاً في الضحك ومتجاوزاً حد التبسم إلى الضحك، ولما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب، كما يقولون، تبسم تبسم الغضبان، وتبسم تبسم المستهزىء، وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح، أتى بقوله :﴿ضَاحِكًا﴾. وقرأ ابن السميفع : ضحكاً، جعله مصدراً، لأن تبسم في معنى ضحك، فانتصابه على المصدر به، أو على أنه مصدر في موضع الحال، كقراءة ضاحكاً.
﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى ﴾ : أي اجعلني شكر نعمتك وآلفه وأرتبطه، حتى لا ينفلت عني،
٦٢
حتى لا أنفك شاكراً لك. وقال ابن عباس : أوزعني : اجعلني أشكر. وقال ابن زيد : حرضني. وقال أبو عبيدة : أولعني. وقال الزجاج : امنعني عن الكفران. وقيل : ألهمني الشكر، وأدرج ذكر نعمة الله على والديه في أن يشكرهما، كما يشكر نعمة الله على نفسه، لما يجب للوالد على الولد من الدعاء لهما والبر بهما، ولا سيما إذا كان الولد تقياً لله صالحاً، فإن والديه ينتفعان بدعائه وبدعاء المؤمنين لهما بسببه، كقولهم : رحم الله من خلفك، رضي الله عنك وعن والديك. ولما سأل ربه شيئاً خاصاً، وهو شكر النعمة، سأل شيئاً عاماً، وهو أن يعمل عملاً يرضاه الله تعالى، فاندرج فيه شكر النعمة، فكأنه سأل إيزاع الشكر مرتين، ثم دعا أن يلحق بالصالحين. قال ابن زيد : هم الأنبياء والمؤمنون، وكذا عادة الأنبياء أن يطلبوا جعلهم من الصالحين، كما قال يوسف عليه السلام :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّـالِحِينَ﴾. وقال تعالى، عن إبراهيم عليه السلام :﴿وَإِنَّه فِى الاخِرَةِ لَمِنَ الصَّـالِحِينَ﴾. قيل : لأن كمال الصلاح أن لا يعصي الله تعالى ولا يهم بمعصية، وهذه درجة عالية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
﴿أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِا * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ * اذْهَب بِّكِتَـابِى هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾.