أي عن الديار، وليس من مواضع حذف حرف الجر. وإذا كان الفاعل هو ما كانت بالمصدود عنه، الظاهر أنه الإسلام. وقال الرماني : التقدير التفطن للعرش، لأن المؤمن يقظ والكافر خبيث. والظاهر أن قوله :﴿وَصَدَّهَا﴾ معطوف على قوله :﴿وَأُوتِينَا﴾، إذا كان من كلام سليمان، وإن كان يحتمل ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد نبيه ولأمته. وإن كان وأوتينا من كلام بلقيس، فالظاهر أنه يتعين كونه من قول الله تعالى وقول من قال إنه متصل بقوله :﴿أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾. والواو في صدها للحال، وقد مضمرة مرغوب عنه لطول الفصل بينهما، ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة. وقرأ الجمهور : إنها بكسر الهمزة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة : بفتحها، فإما على تقدير حرف الجر، أي لأنها، وإما على أن يكون بدلاً من الفاعل الذي هو ما كانت تعبد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
قال محمد بن كعب القرظي وغيره : لما وصلت بلقيس، أمر سليمان الجن فصنعت له صرحاً، وهو السطح في الصحن من غير سقف، وجعلته مبنياً كالصهريج ومليء ماء، وبث فيه السمك والضفادع، وجعل لسليمان في وسطه كرسي. فلما وصلته بلقيس، ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِى﴾ إلى النبي عليه السلام، فرأت اللجة وفزعت، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر، فكشفت عن ساقيها، فرأى سليمان ساقيها سليمتين مما قالت الجن. فلما بلغت هذا الحد، قال لها سليمان :﴿إِنَّه صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيَرَ﴾، وعند ذلك استسلمت بلقيس وأدغنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم. وفي هذه الحكاية زيادة، وهو أنه وضع سريره في وصدره وجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجن والإنس. قال الزمخشري : وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره وتحققاً لنبوته وثباتاً على الدين. انتهى. والصرح : كل بناء عال، ومنه :﴿ابْنِ لِى صَرْحًا لَّعَلِّى أَبْلُغُ الاسْبَـابَ﴾، وهو من التصريح، وهو الإعلان البالغ. وقال مجاهد : الصرح هنا : البركة. وقال ابن عيسى : الصحن، وصرحة الدار : ساحتها. وقيل : الصرح هنا : القصر من الزجاج ؛ وفي الكلام حذف، أي فدخلته امتثالاً للأمر. واللجة : الماء الكثير. وكشف ساقيها عادة من كان لابساً وأراد أن يخوض الماء إلى مقصد له، ولم يكن المقصود من الصرح إلا تهويل الأمر، وحصل كشف الساق على سبيل التبع، إلا أن يصح ما روي عن الجن أن ساقها ساق دابة بحافر، فيمكن أن يكون استعلام ذلك مقصوداً. وقرأ ابن كثير : قيل في رواية الأخريط وهب بن واضح عن سأقيها بالهمز، قال أبو علي : وهي ضعيفة، وكذلك في قراءة قنبل : يكشف عن سأق، وأما همز السؤق وعلى سؤقه فلغة
٧٩
مشهورة في همز الواو التي قبلها ضمة. حكى أبو علي أن أبا حية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة، وأنشد :
أحب المؤقدين إلى موسى
والظاهر أن الفاعل قال هو سليمان، ويحتمل أن يكون الفاعل هو الذي أمرها بدخول الصرح. وظلمها نفسها، قيل : بالكفر، وقيل : بحسبانها أن سليمان أراد أن يعرفها. وقال ابن عطية : ومع، ظرف بني على الفتح، وأما إذا أسكنت العين فلا خلاف أنه حرف جاء لمعنى. انتهى، والصحيح أنها ظرف، فتحت العين أو سكنت، وليس التسكين مخصوصاً بالشعر، كما زعم بعضهم، بل ذلك لغة لبعض العرب، والظرفية فيها مجاز، وإنما هو اسم يدل على معنى الصحبة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
٨٠
والحديقة : البستان، كان عليه جدار أو لم يكن. الحاجز : الفاصل بين الشيئين. الفوج : الجماعة. الجمود : سكون الشيء وعدم حركته. الإتقان : الإتيان بالشيء على أحسن حالاته من الكمال والإحكام في الخلق، وهو مشتق من قول العرب : تقنوا أرضهم إذا أرسلوا فيها الماء الخاثر بالتراب فتجود، والتقن : ما رمي به الماء في الغدير، وهو الذي يجيء به الماء من الخثورة. كبيت الرجل : ألقيته لوجهه.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon