ثمود هي عاد الأولى، وصالح أخوهم في النسب. لما ذكر قصة موسى وداود وسليمان، وهم من بني إسرائيل، ذكر قصة من هو من العرب، يذكر بها قريشاً والعرب، وينبههم أن من تقدم من الأنبياء من العرب كان يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، ليعلموا أنهم في عبادة الأصنام على ضلالة، وأن شأن الأنبياء عربهم وعجمهم هو الدعاء إلى عبادة الله، وإن في :﴿أَنِ اعْبُدُوا ﴾ يجوز أن تكون مفسرة، لأن ﴿أَرْسَلْنَآ﴾ تتضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، أي بأن اعبدوا، فحذف حرف الجر، فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب، وعلى الثاني ففي موضعها خلاف، أهو في موضع نصب أم في موضع جر ؟ والظاهر أن الضمير في ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ عائد على ﴿ثَمُودَ﴾، وأن قومه انقسموا فريقين : مؤمناً وكافراً، وقد جاء ذلك مفسراً في سورة الأعراف في قوله :﴿قَالَ الْمَلا الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ﴾. وقال الزمخشري : أريد بالفريقين : صالح وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد. انتهى. فجعل الفريق الواحد هو صالح، والفريق الآخر قومه، وإذا هنا هي الفجائية، وعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب لا المهلة، فكان المعنى : أنهم بادروا بالاختصام، متعقباً دعاء صالح إياهم إلى عبادة الله. وجاء ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ على المعنى، لأن الفريقين جمع، فإن كان الفريقان من آمن ومن كفر، فالجمعية حاصلة في كل فريق، ويدل على أن فريق المؤمن جمع قوله :﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِى ﴾ فقال : آمنتم، وهو ضمير الجمع. وإن كان الفريق المؤمن هو صالح وحده، فإنه قد انضم إلى قومه، والمجموع جمع، وأوثر يختصمون على يختصمان، وإن كان من حيث التثنية جائرا فصيحاً، لأنه مقطع فصل، واختصاصهم دعوى كل فريق أن الحق معه، وقد ذكر الله تخاصمهم في سورة الأعراف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
ثم تلطف صالح بقومه ورفق بهم في الخطاب فقال منادياً لهم على جهة التحنن عليهم :﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾، أي بوقوع ما يسوؤكم قبل الحالة الحسنة، وهي رحمة الله. وكان قد قال لهم في حديث الناقة :﴿وَلا تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فقالوا له :﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾. وقيل : لم تستعجلون بوقوع المعاصي منكم قبل الطاعة ؟ قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة ؟ وإنما يكون ذلك إذا كانتا متوقعتين إحداهما قبل الأخرى ؟ قلت : كانوا يقولون بجهلهم : إن العقوبة التي يعدنا صالح، إن وقعت على زعمه، تبنا حينئذ واستغفرنا، مقدرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت، وإن لم تقع، فنحن على ما نحن عليه، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب قولهم واعتقادهم. انتهى. ثم حضهم على ما فيه درء السيئة عنهم، وهو الإيمان واستغفار الله مما سبق من الكفر، وناط ذلك يترجى الرحمة، ولم يجزم بأنه يترتب على استغفارهم. وكان في التحضيض تنبيه على الخطأ منهم في استعجال العقوبة، وتجهيل لهم في اعتقادهم.
ولما لاطفهم في الخطاب أغلظوا له وقالوا :﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ : أي تشاء منا بك وبالذين آمنوا معك. ودل هذا العطف على أن الفريقين كانوا مؤمنين وكافرين لقوله :﴿وَبِمَن مَّعَكَ﴾، وكانوا قد قحطوا. وتقدم الكلام في معنى التطير في سورة الأعراف، جعلوا سبب قحطهم هو ذات صالح ومن آمن معه، فرد عليهم بقوله :﴿طَئاِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ﴾ : أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر هو عند الله وبقضائه، إن شاء رزقكم، وإن شاء حرمكم. وقال الزمخشري : ويجوز أن يريد عملكم مكتوب عند الله، فمنه نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة، ومنه طائركم معكم، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه. وقرىء : تطيرنا بك على الأصل، ومعنى تطير به : تشاءم به، وتطير
٨٢
منه : نفر عنه. انتهى. ثم انتقل إلى الإخبار عنهم بحالهم فقال :﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾، أي تختبرون، أو تعذبون، أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة، أو تفتنون بشهواته : أي تشفعون بها، كما يقال : فتن فلان بفلان. وقال الشاعر :
داء قديم في بني آدمفتنة إنسان بإنسان
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠


الصفحة التالية
Icon