ومكرهم : ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله. ومكر الله : إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة، ومكرهم : أنبائهم أنهم مسافرون واختفاؤهم في غار. قيل : أو شعب، أو عزمهم على قتله وقتل أهله، وحلفهم أنهم ما حضروا ذلك. ومكر الله بهم : إطباق صخرة على فم الغار والشعب وإهلاكهم فيه، أو رمي الملائكة إياهم بالحجارة، يرونها ولا يرون الرامي حين شهروا أسيافهم بالليل ليقتلوه، قولان. وقيل : إن الله أخبر صالحاً بمكرهم فيخرج عنه، فذلك مكر الله في حقهم. وروي أن صالحاً، بعد عقر الناقة، أخبرهم بمجيء العذاب بعد ثلاثة أيام، فاتفق هؤلاء التسعة على قتل صالح وأهله ليلاً وقالوا : إن كان كاذباً في وعيده، كنا قد أوقعنا به ما يستحق ؛ وإن كان صادقاً، كنا قد عجلناه قبلنا وشفينا نفوسنا. واختفوا في غار، وأهلكم الله، كما تقدم ذكره، وأهلك قومهم، ولم يشعر كل فريق بهلاك الآخر. والظاهر أن كيف خبر كان، وعاقبة الاسم، والجملة في موضع نصب بانظر، وهي معلقة، وقرأ
٨٥
الجمهور : إنا، بكسر الهمزة على الاستئناف. وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، والكوفيون : بفتحها، فأنا بدل من عاقبة، أو خبر لكان، ويكون في موضع الحال، أو خبر مبتدأ محذوف، أي هي، أي العاقبة تدميرهم. أو يكون التقدير : لأنا وحذف حرف الجر. وعلى كلتا القراءتين يجوز أن يكون ﴿كَانَ﴾ تامة و﴿عَـاقِبَةُ﴾ فاعل بها، وأن تكون زائدة وعاقبة مبتدأ خبره ﴿كَيْفَ﴾. وقرأ أبي : أن دمّرناهم، وهي أن التي من شأنها أن تنصب المضارع، ويجوز فيها الأوجه الجائزة في أنا، بفتح الهمزة. وحكى أبو البقاء : أن بعضهم أجاز في ﴿أَنَّا دَمَّرْنَـاهُمْ﴾ في قراءة من فتح الهمزة أن تكون بدلاً من كيف، قال : وقال آخرون : لا يجوز، لأن البدل من الاستفهام يلزم فيه إعادة حرفه، كقوله : كيف زيد، أصحيح أم مريض ؟
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
ولما أمر تعالى بالنظر فيما جرى لهم من الهلاك في أنفسهم، بين ذلك بالإشارة إلى منازلهم وكيف خلت منهم، وخراب البيوت وخلوها من أهلها، حتى لا يبقى منهم أحد مما يعاقب به الظلمة، إذ يدل ذلك على استئصالهم. وفي التوراة : ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، وهو إشارة إلى هلاك الظالم، إذ خراب بيته متعقب هلاكه، وهذه البيوت هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه، عام تبوك :"لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين"، الحديث. وقرأ الجمهور : خاوية، بالنصب على الحال. قال الزمخشري : عمل فيها ما دل عليه تلك. وقرأ عيسى بن عمر : خاوية، بالرفع. قال الزمخشري : على خبر المبتدأ المحذوف، وقاله ابن عطية، أي هي خاوية، قال : أو على الخبر عن تلك، وبيوتهم بدل، أو على خبر ثان، وخاوية خبرية بسبب ظلمهم، وهو الكفر، وهو من خلو البطن. وقال ابن عباس : خاوية، أي ساقط أعلاها على أسفلها. ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ : أي في فعلنا بثمود، وهو استئصالنا لهم بالتدمير، وخلاء مساكنهم منهم، وبيوتهم هي بوادي القرى بين المدينة والشام.
﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾، أي بصالح من العذاب الذي حل بالكفار، وكان الذين آمنوا به أربعة آلاف، خرج بهم صالح إلى حضرموت، وسميت حضرموت لأن صالحاً عليه السلام لما دخلها مات بها، وبنى المؤمنون بها مدينة يقال لها : حاضورا. وأما الهالكون فخرج بأبدانهم خراج مثل الحمص، احمر في اليوم الأول، ثم اصفر في الثاني، ثم اسود في الثالث، وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلكوا يوم الأحد. قال مقاتل : تفتقت تلك الخراجات، وصاح جبريل عليه السلام بهم صيحة فحمدوا.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِا أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَاِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِا بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِا إِلا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا ءَالَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُم إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَـاهُ وَأَهْلَهُا إِلا امْرَأَتَه قَدَّرْنَـاهَا مِنَ الْغَـابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠