﴿وَلُوطًا﴾ : عطف على ﴿صَـالِحًا﴾، أي وأرسلنا لوطاً، أو على ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، أي وأنجينا لوطاً، أو باذكر مضمرة، وإذ بدل منه، أقوال. و﴿أَتَأْتُونَ﴾ : استفهام إنكار وتوبيخ، وأبهم أولاً في قوله :﴿الْفَـاحِشَةَ﴾، ثم عينها في قوله :﴿أَاِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾، وقوله :﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ : أي تعلمون قبح هذا الفعل المنكر الذي أحدثتموه، وأنه من أعظم الخطايا، والعلم بقبح الشيء مع إتيانه أعظم في الذنب، أو آثار العصاة قبلكم، أو ينظر بعضكم إلى بعض لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك مجانة وعدم اكتراث بالمعصية الشنعاء، أقوال ثلاثة. وانتصب ﴿شَهْوَةً﴾ على أنه مفعول من أجله، و﴿تَجْهَلُونَ﴾ غلب فيه الخطاب، كما غلب في ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾. ومعنى :﴿تَجْهَلُونَ﴾، أي عاقبة ما أنتم عليه، أو تفعلون فعل السفهاء المجان، أو فعل من جهل أنها معصية عظيمة مع العلم أقوال. ولما أنكر عليهم ونسب إلى الجهل، ولم تكن لهم حجة فيما يأتونه من الفاحشة، عدلوا إلى المغالبة والإيذاء، وتقدم معنى يتطهرون في الأعراف. وقرأ الجمهور :﴿جَوَابَ﴾ بالنصب ؛ والحسن، وابن أبي إسحاق : بالرفع، والجمهور :﴿قَدَّرْنَـاهَا﴾، بتشديد الدال ؛ وأبو بكر بتخفيفها،
٨٦
وباقي الآية تقدم تفسير نظيره في الأعراف. وساء : بمعنى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أي مطرهم.
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ا ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنابَتْنَا بِهِا حَدَآاِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا ﴾.
٨٧
لما فرغ من قصص هذه السورة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم بحمده تعالى والسلام على المصطفين، وأخذ في مباينة واجب الوجود، الله تعالى، ومباينة الأصنام والأديان التي أشركوها مع الله وعبدوها. وابتدأ في هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمدلة، وكأنها صدر خطبة لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة. وقد اقتدى بذلك المسلمون في تصانيف كتبهم وخطبهم ووعظهم، فافتتحوا بتحميد الله، والصلاة على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتبعهم المترسلون في أوائل كتب الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن. وقيل : هو متصل بما قبله، وأمر الرسول عليه السلام بتحميد الله على هلاك الهالكين من كفار الأمم، والسلام على الأنبياء وأتباعهم الناجين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
وقيل :﴿قُلِ﴾، خطاب للوط عليه السلام أن يحمد الله على هلاك كفار قومه، ﴿وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ا﴾. وعزا هذا القول ابن عطية للفراء، وقال : هذه عجمة من الفراء. وقرأ أبو السمال :﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، وكذا : قل الحمد لله سيريكم، بفتح اللام، وعباده المصطفون، يعم الأنبياء وأتباعهم. وقال ابن عباس : العباد المسلم عليهم هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، اصطفاهم لنبيه، وفي اختصاصهم بذلك توبيخ للمعاصرين من الكفار. وقال أبو عبد الله الرازي : لما ذكر تعالى أحوال الأنبياء، وأن من كذبهم استؤصل بالعذاب، وأن ذلك مرتفع عن أمة الرسول، أمره تعالى بحمده على ما خصه من هذه النعمة، وتسليمه على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة. انتهى، وفيه تلخيص.
وقوله :﴿اللَّهُ خَيْرٌ﴾ : استفهام فيه تبكيت وتوبيخ وتهكم بحالهم، وتنبيه على موضع التباين بين الله تعالى وبين الأوثان، إذ معلوم عند من له عقل أنه لا شركة في الخيرية بين الله تعالى وبينهم، وكثيراً ما يجيء هذا النوع من أفعل التفضيل حيث يعلم ويتحقق أنه لا شركه فيها وإنما يذكر على سبيل إلزام الخصم وتنبيهه على خطا مرتكبه. والظاهر أن هذا الاستفهام هو عن خبرية الذوات، فقيل : جاء على اعتقاد المشركين حيث اعتقدوا في آلهتهم خيراً بوجه مّا، وقيل : في الكلام حذف في موضعين، التقدير : أتوحيد الله خير أم عبادة ما يشركون ؟ فيما في أم ما بمعنى الذي. وقيل : ما مصدرية، والحذف من الأول، أي أتوحيد الله خير أم شرككم ؟ وقيل : خير ليست للتفضيل، فهي كما تقول : الصلاة خير، يعني خيراً من الخيور. وقيل : التقدير ذو خير. والظاهر أن خيراً أفعل التفضيل، وأن الاستفهام في نحو هذا يجيء لبيان فساد ما عليه الخصم، وتنبيهه على خطئه، وإلزامه الإقرار بحصر التفضيل في جانب واحد، وانتفائه عن الآخر، وقرأ الجمهور : تشركون، بتاء الخطاب ؛ والحسن،
٨٨
وقتادة، وعاصم، وأبو عمرو : بياء الغيبة. وأم في أم ما متصلة، لأن المعنى : أيهما خير ؟ وفي ﴿أَم مَّنْ خَلَقْنَآ﴾ وما بعده منفصلة. ولما ذكر الله خيراً، عدّد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله، كما عدّدها في غير موضع من كتابه، توقيفاً لهم على ما أبدع من المخلوقات، وأنهم لا يجدون بداً من الإقرار بذلك لله تعالى.


الصفحة التالية
Icon