جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
وقرأ الجمهور :﴿أَمَّنْ خَلَقَ﴾، وفي الأربعة بعدها بشد الميم، وهي ميم أم أدغمت في ميم من. وقرأ الأعمش : بتخفيفها جعلها همزة الاستفهام، أدخلت على من، ومن في القراءتين مبتدأ وخبره. قال ابن عطية : تقديره : يكفر بنعمته ويشك به، ونحو هذا من المعنى. وقدره الزمخشري : خير أما يشركون، فقدّر ما أثبت في الاستفهام الأول ؛ بدأ أولاً في الاستفهام باسم الذات، ثم انتقل فيه إلى الصفات. وقال أبو الفضل الرازي في (كتاب اللوامح) له : ولا بد من إضمار جملة معادلة، وصار ذلك المضمر كالمنطوق به لدلالة الفحوى عليه. وتقدير تلك الجملة : أمن خلق السموات كمن لم يخلق، وكذلك أخواتها، وقد أظهر في غير هذا الموضع ما أضمر فيها لقوله تعالى :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ﴾. انتهى. وتسمية هذا المقدّر جملة، إن أراد بها جملة من الألفاظ فهو صحيح، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو فليس كذلك، بل هو مضمر من قبيل المفرد. وبدأ تعالى بذكر إنشاء مقر العالم العلوي والسفلي، وإنزال ما به قوام العالم السفلي وقال :﴿لَكُم﴾، أي لأجلكم، على سبيل الامتنان، وأن ذلك من أجلكم. ثم قال :﴿فَأَنابَتْنَا﴾، وهذا التفات من الغيبة إلى التكلم بنون العظمة دالاً على اختصاصه بذلك، وأنه لم ينبت تلك الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح بماء واحد إلا هو تعالى. وقد رشح هذا الاختصاص بقوله :﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا شَجَرَهَآ﴾.
ولما كان خلق السموات والأرض، وإنزال الماء من السماء، لا شبهة للعاقل في أن ذلك لا يكون إلا لله، وكان الإنبات مما قد يتسبب فيه الإنسان بالبذر والسقي والتهيئة، ويسوغ لفاعل السبب نسبة فعل المسبب إليه، بين تعالى اختصاصه بذلك بطريق الالتفات وتأكيد ذلك بقوله :﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا شَجَرَهَآ﴾. ألا ترى أن المتسبب لذلك قد لا يأتي على وفق مراده ؟ ولو أتى فهو جاهل بطبعه ومقداره وكيفيته، فكيف يكون فاعلاً لها ؟ والبهجة : الجمال والنضرة والحسن، لأن الناظر فيها يبتهج، أي يسر ويفرح. وقرأ الجمهور :﴿ذَاتَ﴾، بالإفراد، ﴿بَهْجَةٍ﴾، بسكون الهاء، وجمع التكسير يجري في الوصف مجرى الواحدة، كقوله :﴿أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾، وهو على معنى جماعة. وقرأ ابن أبي عبلة، ذوات، بالجمع، بهجة بتحريك الهاء بالفتح.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا شَجَرَهَآ﴾ : قد تقدم أن نفي مثل هذه الكينونة قد يكون ذلك لاستحالة وقوعه كهذا، أو لامتناع وقوعه شرعاً، أو لنفي الأولوية. والمعنى هنا : أن إنبات منكم محال، لأنه إبراز شيء من العدم إلى الوجود، وهذا ليس بمقدور إلا لله تعالى. ولما ذكر منته عليهم، خاطبهم بذلك ؛ ثم لما ذكر ذمّهم، عدل من الخطاب إلى الغيبة فقال :﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾، إما التفاتاً، وإما إخباراً للرسول صلى الله عليه وسلّم بحالهم، أي يعدلون عن الحق، أو يعدلون به غيره، أي يجعلون له عديلاً ومثيلاً. وقرىء : إلهاً، بالنصب، بمعنى : أتدعون أو أتشركون ؟ وقرىء : أإله، بتخفيف الهمزتين وتليين الثانية، والفصل بينهما بألف. ولما ذكر تعالى أنه منشىء السموات والأرض، ذكر شيئاً مشتركاً بين السماء والأرض، وهو إنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق بالأرض، ذكر شيئاً مختصاً بالأرض، وهو جعلها قراراً، أي مستقراً لكم، بحيث يمكنكم الإقامة بها والاستقرار عليها، ولا يديرها الفلك، قيل : لأنها مضمحلة في جنب الفلك، كالنقطة في الرحى.
﴿وَجَعَلَ خِلَـالَهَآ﴾ : أي بين أماكنها، في شعابها وأوديتها، ﴿أَنْهَـارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ﴾ : أي جبالا ثوابت حتى لا تتكفأ بكم وتميد. والبحران : العذب والملح، والحاجز : الفاصل، من قدرته تعالى، قاله الضحاك. وقال مجاهد : بحر السماء
٨٩


الصفحة التالية
Icon