وقال الكرماني : العلم هنا بمعنى الحكم والقول، أي تتابع منهم القول والحكم في الآخرة، وكثرة منهم الخوض فيها، فنفاها بعضهم، وشك فيها بعضهم، واستبعدها بعضهم. وقال الفراء : بل ادرك، فيصير بمعنى الجحد، ولذلك نظائر ؛ أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودل على ذلك ﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا ﴾، فصارت في في الكلام بمعنى الباء، أي لم يدرك علمهم بالآخرة. قال الفراء : ويقوي هذا الوجه قراءة من قرأ : أدرك، بالاستفهام. انتهى. وأما قراءة من قرأ بلى بحرف الجواب بدل بل، فقال أبو حاتم : إن كان بلى جواباً لكلام تقدم، جاز أن يستفهم به، كأن قوماً أنكروا ما تقدم من القدرة، فقيل لهم : بلى إيجاباً لما نفوا، د ثم استؤنف بعده الاستفهام وعودل بقوله تعالى :﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا ﴾، بمعنى : أم هم في شك منها، لأن حروف العطف قد تتناوب، وكف عن الجملتين بقوله تعالى :﴿بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ﴾. انتهى. يعني أن المعنى : ادّرك علمهم بالآخرة أم شكو ؟ ف(بل) بمعنى أم، عودل بها الهمزة، وهذا ضعيف جداً، وهو أن تكون بل بمعنى أم وتعادل همزة الاستفهام.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
قال الزمخشري : فإن قلت : فمن قرأ بلى ادرك ؟ قلت : لما جاء ببلى بعد قوله :﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾، كان معناه : بلى يشعرون، ثم فسر الشعور بقوله : ادرك علمهم في الآخرة، على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم، فكأنه قال : شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون، كونها، فيرجع إلى المبالغة في نفي الشعور على أبلغ ما يكون. وأما من قرأ : بلى أدّرك، على الاستفهام فمعناه : يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها، لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها، لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن. فإن قلت : هذه الإضرابات الثلاث ما معناه ؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة، وقد جعل الآخر مبدأ عما هم ومنشأه، فلذلك عداه بمن دون عن، لأن العاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يبصرون. انتهى.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا وَءَابَآؤُنَآ أَانَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ * قُلْ سِيرُوا فِى الارْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ * وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هذا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمَا مِنْ غَآاِبَةٍ فِى السَّمَآءِ وَالارْضِ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ * إِنَّ هذا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِى إسرائيل أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّه لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَـالَتِهِم إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِـاَايَـاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الارْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِـاَايَـاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
لما تقدم أنه تعالى منفرد بعلم الغيب، ومن جملتها وقت الساعة، وأنهم لا شعور لهم بوقتها، وأن الكفار في شك منها عمون، ناسب ذكر مقالاتهم في استبعادها، وأن ما وعدوا به من ذلك ليس بصحيح، إنما ذلك ما سطر الأولون من غير إخبار بذلك عن حقيقة.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو : بالجمع بين الاستفهامين ؛ وقلب الثانية ياء، وفصل بينهما بألف أبو عمرو، وقرأهما عاصم وحمزة : بهمزتين، ونافع : إذا بهمزة مكسورة، آينا بهمزة الاستفهام، وقلب الثانية ياء، وبينهما مدة، والباقون : آئذا، باستفهام ممدود، إننا : بنونين من غير استفهام، والعامل في إذا محذوف دل على مضمون الجملة الثانية تقديره : يخرج ويمتنع إعمال لمخرجون فيه، لأن كلاًّ من إن ولام الابتداء والاستفهام يمنع أن يعمل ما بعده فيما قبله، إلا اللام الواقعة في خبر إن، فإنه يتقدم معمول الخبر عليها وعلى الخبر على ما قرر في علم النحو.