أي اذكر يوم نحشر، والحشر : الجمع على عنف. ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ : أي من الأمم، ومن هي للتبعيض. ﴿فَوْجًا﴾ : أي جماعة كثيرة. ﴿مِّمَّن يُكَذِّبُ بِـاَايَـاتِنَا﴾ : من للبيان، أي الذين يكذبون. والآيات : الأنبياء، أو القرآن، أو الدلائل، أقوال. ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ : تقدم تفسيره في أول قصة سليمان من هذه السورة. وعن ابن مسعود، أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة : بين يدي أهل مكة، كذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. ﴿حَتَّى إِذَآ﴾ : أي إلى الموقف ؛ ﴿جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِـاَايَـاتِى﴾ : استفهام توبيخ وتقريع وإهانة ؛ ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾ : الظاهر أن الواو للحال، أي أوقع تكذيبكم بها غير متدبرين لها ولا محيطين علماً بكنهها ؟ ويجوز أن تكون الواو للعطف، أي أجحدتموها : ومع جحودها لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه إليه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويحيط بمعانيه علماً. وقيل :﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾، أي يبطلانها حتى تعرضوا عنها، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين. وأم هنا منقطعة، وينبغي أن تقدر ببل وحدها. انتقل من الاستفهام الذي يقتضي التوبيخ إلى الاستفهام عن عملهم أيضاً على جهة التوبيخ، أي : أي شيء كنتم تعملون ؟ والمعنى : إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوا، وليس لهم عمل ولا حجة فيما عملوه إلا الكفر والتكذيب. وماذا بجملته يحتمل أن يكون استفهاماً منصوباً بخبر كان، وهو تعملون، وأن يكون ما هو الاستفهام، وذا موصول بمعنى
٩٨
الذي، فيكونان مبتدأ وخبراً، وكان صلة لذا والعائد محذوف، أي تعملونه. وقرأ أبو حيوة : أما ذا، بتخفيف الميم، أدخل أداة الاستفهام على اسم الاستفهام على سبيل التوكيد.
﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ﴾ : أي العذاب الموعود به بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات الله. ﴿فَهُمْ لا يَنطِقُونَ﴾ : أي بحجة ولا عذر لما شغلهم من عذاب الله. وقيل : يختم على أفواههم فلا ينطقون، وانتفاء نطقهم يكون في موطن من مواطن القيامة، أو من فريق من الناس، لأن القرآن يقتضي أنهم يتكلمون بحجج في غير هذا الموطن.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة، ليرتدع بسماعها من أراد الله تعالى ارتداعه، نبههم على ما هو دليل على التوحيد والحشر والنبوة بما هم يشاهدونه في حال حياتهم، وهو تقليب الليل والنهار من نور إلى ظلمة، ومن ظلمة إلى نور، وفاعل ذلك واحد، وهو الله تعالى، فيجب أن يفرد بالعبادة والألوهية. وفي هذا التقليب دليل على القلب من حياة إلى موت، ومن موت إلى حياة أخرى، وفيه دليل أيضاً على النبوة، لأن هذا التقليب هو لمنافع المكلفين، ولهذا علل ذلك الجعل بقوله :﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، وبعثة الأنبياء لتحصيل منافع الخلق ؛ وأضاف الإبصار إلى النهار على سبيل المجاز، لما كان يقع فيه أضافه إليه، كما تقول : ليلك نائم، وعلل جعل الليل بقوله :﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، أي لأن يقع سكونهم فيه مما يلحقهم من التعب في النهار واستراحة نفوسهم. قال بعض الرجاز :
النوم راحة القوى الحسيةمن حركات والقوى النفسية
ولم يقع التقابل في جعل النهار بالنص على علته، فيكون التركيب : والنهار لتبصروا فيه، بل أتى بقوله :﴿مُبْصِرًا ﴾، قيداً في جعل النهار، لا علة للجعل. فقال الزمخشري : هو مراعى من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف، لأن معنى مبصراً : لتبصروا فيه طريق التقلب في المكاسب. انتهى. والذي يظهر أن هذا من باب ما حذف من أوله ما أثبت في مقابله، وحذف من آخره ما أثبت في أوله، فالتقدير : جعلنا الليل مظلماً لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتنصرفوا فيه ؛ فالإظلام ينشأ عنه السكون، والإبصار ينشأ عنه التصرف في المصالح، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِا فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ﴾ ؟ فالسكون علة لجعل الليل مظلماً، والتصرف علة لجعل النهار مبصراً وتقدم لنا : الكلام على نظير هذين الحذفين مشبعاً في البقرة في قوله :﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ﴾.


الصفحة التالية
Icon