﴿وَالذَّارِيَـاتِ﴾ : الرياح :. ﴿فَالْحَـامِلَـاتِ﴾ السحاب. ﴿فَالْجَـارِيَـاتِ﴾ الفلك. ﴿فَالْمُقَسِّمَـاتِ﴾ : الملائكة، هذا تفسير عليّ كرم الله وجهه على المنبر، وقد سأله ابن الكواء، قاله ابن عباس. وقال ابن عباس أيضاً :﴿فَالْحَـامِلَـاتِ﴾ هي السفن الموقرة بالناس وأمتاعهم. وقيل : الحوامل من جميع الحيوان. وقيل : الجاريات : السحاب بالرياح. وقيل : الجواري من الكواكب، وأدغم أبو عمرو وحمزة ﴿وَالذَّارِيَـاتِ﴾ في ذال ﴿ذَرْوًا﴾، وذروها : تفريقها للمطر أو للتراب. وقرىء : بفتح الواو وتسمية للمحمول بالمصدر. ومعنى ﴿يُسْرًا﴾ : جرياً ذا يسر، أي سهولة. فيسراً مصدر وصف به على تقدير محذوف، فهو على رأي سيبويه في موضع الحال. ﴿أَمْرًا﴾ تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها، فأمراً مفعول به. وقيل : مصدر منصوب على الحال، أي مأموره، ومفعول المقسمات محذوف. وقال مجاهد : يتولى أمر العباد جبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة، وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ. وجاء في الملائكة : فالمقسمات على معنى الجماعات. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد الرياح لا غير، لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجو جرياً سهلاً، وتقسم الأمطار بتصريف الرياح. انتهى. فإذا كان المدلول متغايراً، فتكون أقساماً متعاقبة. وإذا كان غير متغاير، فهو قسم واحد، وهو من عطف الصفات، أي ذرت أول هبوبها التراب والحصباء، فأقلت السحاب، فجرت في الجو باسطة للسحاب، فقسمت المطر. فهذا كقوله :
١٣٣
يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب
أي : الذي صبح العدو فغنم منهم، فآب إلى قومه سالماً غانماً. والجملة المقسم عليها، وهي جواب القسم، هي ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾، وما موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف، أي توعدونه. ويحتمل أن تكون مصدرية، أي أنه وعدكم أو وعيدكم، إذ يحتمل توعدون الأمرين أن يكون مضارع وعد ومضارع أوعد، ويناسب أن يكون مضارع أوعد لقوله :﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾، ولأن المقصود التخويف والتهويل. ومعنى صدقة : تحقق وقوعه، والمتصف بالصدق حقيقة هو المخبر. وقال تعالى :﴿ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ : أي مصدوق فيه. وقيل :﴿لَصَادِقٌ﴾، ووضع اسم الفاعل موضع المصدر، ولا حاجة إلى هذا التقدير. وقال مجاهد : الأظهر أن الآية في الكفار، وأنه وعيد محض. ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾ : أي الجزاء، ﴿لَوَاقِعٌ﴾ : أي صادر حقيقة على المكلفين من الإنس والجن. والظاهر في السماء أنه جنس أريد به جميع السموات. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : هي السماء السابعة. وقيل : السحاب الذي يظل الأرض.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣١
﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ : أي ذات الخلق المستوي الجيد، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة والربيع. وقال الحسن، وسعيد بن جبير :﴿ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ : أي الزينة بالنجوم. وقال الضحاك : ذات الطرائق، يعني من المجرة التي في السماء. وقال ابن زيد : ذات الشدة، لقوله :﴿سَبْعًا شِدَادًا﴾. وقيل : ذات الصفاقة. وقرأ الجمهور : الحبك بضمتين ؛ وابن عباس، والحسن : بخلاف عنه، وأبو مالك الغفاري، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبو السمال، ونعيم عن أبي عمرو : بإسكان الباء ؛ وعكرمة : بفتحها، جمع حبكة، مثل : طرفة وطرف. وأبو مالك الغفاري، والحسن : بخلاف عنه، بكسر الحاء والباء ؛ وأبو مالك الغفاري، والحسن أيضاً، وأبو حيوة : بكسر الحاء وإسكان الباء، وهو تخفيف فعل المكسور هما وهو اسم مفرد لا جمع، لأن فعلاً ليس من أبنية الجموع، فينبغي أن يعد مع إبل فيما جاء من الأسماء على فعل بكسر الفاء والعين ؛ وابن عباس أيضاً، وأبو مالك : بفتحهما. قال أبو الفضل الرازي : فهو جمع حبكة، مثل عقبة وعقب. انتهى. والحسن أيضاً : الحبك بكسر الحاء وفتح الباء، وقرأ أيضاً كالجمهور، فصارت قراءته خمساً : الحبك الحبك الحبك الحبك الحبك. وقرأ أبو مالك أيضاً : الحبك بكسر الحاء وضم الباء، وذكرها ابن عطية عن الحسن، فتصير له ست قراءات. وقال صاحب اللوامح، وهو عديم النظير في العربية : في أبنيتها وأوزانها، ولا أدري ما رواه. انتهى. وقال ابن عطية : هي قراءة شاذة غير متوجهة، وكأنه أراد كسرها، ثم توهم الحبك قراءة الضم بعد أن كسر الحاء وضم الباء، وهذا على تداخل اللغات، وليس في كلام العرب هذا البناء. انتهى.


الصفحة التالية
Icon