﴿مَا تَذَرُ مِن شَىْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ : وهو عام مخصوص، كقوله :﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءا بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ : أي مما أراد الله تدميره وإهلاكه من ناس أو ديار أو شجر أو نبات، لأنها لم يرد الله بها إهلاك الجبال والآكام والصخور، ولا العالم الذي لم يكن من قوم عاد. ﴿إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ : جملة حالية، والرميم تقدّم تفسيره في يس، وهنا قال السدّي : التراب، وقتادة : الهشيم، ومجاهد : البالي، وقطرب : الرماد، وابن عيسى : المنسحق الذي لا يرم، جعل الهمزة في أرم للسلب. روي أن الريح كانت تمر بالناس، فيهم الرجل من قوم عاد، فتنزعه من بينهم وتهلكه. ﴿تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ﴾، قال الحسن : هذا كان حين بعث إليهم صالح، أمروا بالإيمان بما جاء به، والتمتع إلى أن تأتي آجالهم، ثم إنهم عتوا بعد ذلك، ولذلك جاء العطف بالفاء المقتضية تأخر العتو عن ما أمروا به، فهو مطابق لفظاً ووجود. وقال الفراء : هذا الأمر بالتمتع كان بعد عقر الناقة، والحين ثلاثة أيام التي أوعدوا في تمامها بالعذاب. فالعتو كان قد تقدم قبل أن يقال لهم تمتعوا، ولا ضرورة تدعو إلى قول الفراء، إذ هو غير مرتب في الوجود. وقرأ الجمهور : الصاعقة ؛ وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، والكسائي : الصعقة، وهي الصيحة هنا. وقرأ الحسن : الصاعقة ؛ وزيد بن علي كقراءة الكسائي. ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ : أي فجأة، وهم ينظرون بعيونهم، قاله الطبري : وكانت نهاراً. وقال مجاهد :﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ ينتظرون ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموه فيها، ورأوا علاماته في قلوبهم، وانتظار العذاب أشد من العذاب.
﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ﴾، لقوله :﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾، ونفي الاستطاعة أبلغ من نفي القدرة. ﴿وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ﴾، أبلغ من نفي الانتصار : أي فما قدروا على الهرب، ولا كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع ما حل به. وقيل :﴿مِن قِيَامٍ﴾، هو من قولهم : ما يقوم به إذا عجز عن دفعه، فليس المعنى انتصاب القامة، قاله قتادة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي :﴿وَقَوْمَ﴾ بالجر عطفاً على ما تقدم، أي وفي قوم نوح، وهي قراءة عبد الله. وقرأ باقي السبعة، وأبو عمرو في رواية : بالنصب. قيل : عطفاً على الضمير في ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ ؛ وقيل : عطفاً على ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾، لأن معنى كل منهما : فأهلكناهم. وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : وأهلكنا قوم نوح، لدلالة معنى الكلام عليه. وقيل : باذكر مضمرة. وروى عبد الوارث، ومحبوب، والأصمعي عن أبي عمرو، وأبو السمال، وابن مقسم : وقوم نوح بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أهلكناهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣١
قوله عز وجل :﴿وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيايْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالارْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءَاخَرَا إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * كَذَالِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِا بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ * فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ﴾.
أي : وبنينا السماء، فهو من باب الاشتغال، وكذا وفرشنا الأرض. وقرأ أبو السمال، ومجاهد، وابن مقسم : برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء. ﴿بِأَيايْدٍ﴾ : أي بقوة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وهو كقوله :﴿دَاوُادَ ذَا الايْدِ﴾. ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ : أي بناءها، فالجملة حالية، أي بنيناها موسعوها، كقوله : جاء زيد وإنه لمسرع، أي مسرعاً، فهي بحيث أن الأرض وما يحيط من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة. وقال ابن زيد قريباً من هذا وهو : أن الوسع راجع إلى السماء. وقيل : لموسعون قوة وقدرة، أي لقادرون من الوسع، وهو الطاقة. وقال الحسن : أوسع الرزق بالمطر والماء.


الصفحة التالية
Icon