ومنه : هوى العقاب. ﴿صَاحِبُكُمْ﴾ : هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والخطاب لقريش : أي هو مهتد راشد، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي. ﴿وَمَا يَنطِقُ﴾ : أي الرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿عَنِ الْهَوَى ﴾ : أي عن هوى نفسه ورأيه. ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ﴾ من عند الله، ﴿يُوحَى ﴾ إليه. وقيل :﴿وَمَا يَنطِقُ﴾ : أي القرآن، عن هوى وشهوة، كقوله :﴿هَـاذَا كِتَـابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾. ﴿إِنْ هُوَ﴾ : أي الذي ينطق به. أو ﴿إِنْ هُوَ﴾ : أي القرآن. ﴿عَلَّمَهُ﴾ : الضمير عائد على الرسول صلى الله عليه وسلّم، فالمفعول الثاني محذوف، أي علمه الوحي. أو على القرآن، فالمفعول الأول محذوف، أي علمه الرسول صلى الله عليه وسلّم. ﴿شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ : هو جبريل، وهو مناسب للأوصاف التي بعده، وقاله ابن عباس وقتادة والربيع. وقال الحسن :﴿شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ : هو الله تعالى، وهو بعيد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ : ذو قوة، ومنه لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى. وقيل : ذو هيئة حسنة. وقيل : هو جسم طويل حسن. ولا يناسب هذان القولان إلا إذا كان شديد القوى هو جبريل عليه السلام. ﴿فَاسْتَوَى ﴾ : الضمير لله في قوله الحسن، وكذا ﴿وَهُوَ بِالافُقِ الاعْلَى ﴾ لله تعالى، على معنى العظمة والقدرة والسلطان. وعلى قول الجمهور :﴿فَاسْتَوَى ﴾ : أي جبريل في الجو، ﴿وَهُوَ بِالافُقِ الاعْلَى ﴾، إن رآه الرسول عليه الصلاة والسلام بحراء قد سد الأفق له ستمائة جناح، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قاب قوسين، وكذلك هو المرئي في النزلة الأخرى بستمائة جناح عند السدرة، قاله الربيع والزجاج. وقال الطبري :
١٥٧
والفراء : المعنى فاستوى جبريل ؛ وقوله :﴿وَهُوَ﴾، يعني محمداً صلى الله عليه وسلّم، وفي هذا التأويل العطف على الضمير المرفوع من غير فصل، وهو مذهب الكوفيين. وقد يقال : الضمير في استوى للرسول، وهو لجبريل، والأعلى لعمه الرأس وما جرى معه. وقال الحسن وقتادة : هو أفق مشرق الشمس.
وقال الزمخشري :﴿فَاسْتَوَى ﴾ : فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي، وكان ينزل في صورة دحية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلّم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها، فاستوى له بالأفق الأعلى، وهو أفق الشمس، فملأ الأفق. وقيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى الله عليه وسلّم، مرة في الأرض، ومرة في السماء. ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ﴿فَتَدَلَّى ﴾ : فتعلق عليه في الهوى. وكان مقدار مسافة قربه منه مثل ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ﴾، فحذفت هذه المضافات، كما قال أبو علي في قوله :
وقد جعلتني من خزيمة أصبعا
أي : ذا مسافة مقدار أصبع، ﴿أَوْ أَدْنَى ﴾ على تقديركم، كقوله :﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾. ﴿إِلَى عَبْدِهِ﴾ : أي إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسمه عز وجل ذكر، لأنه لا يلبس، كقوله :﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا﴾. ﴿مَآ أَوْحَى ﴾ : تفخيم للوحي الذي أوحي إليه قبل. انتهى. وقال ابن عطية :﴿ثُمَّ دَنَا﴾، قال الجمهور : أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء : ما يقتضي أن الدنو يستند إلى الله تعالى. وقيل : كان الدنو إلى جبريل. وقيل : إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله :﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾، فإنه يقتضي نزلة متقدمة. وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى ربه قبل ليلة الإسراء. ودنا أعم من تدلى، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر، قال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض. وقال أبو رزين : ليست بهذه القوس، ولكن قدر الذراعين. وعن ابن عباس : أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال. وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣