جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
ولقد شفعتهما بآخر ثالث
انتهى.
وقول ربيعة مخالف للآية، لأن ثالثاً جاء بعد آخر. وعلى قول هذا القائل أن مناة هي أعظم هذه الأوثان، يكون التأكيد لأجل عظمها. ألا ترى إلى قوله : ثم تذكر ثالثاً أجل منهما وقال الزمخشري : والأخرى ذم، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى :﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاولَـاهُمْ﴾ : أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى. انتهى. ولفظ آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعا للذم ولا للمدح، إنما يدلان على معنى غير، إلا أن من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما. لو قلت : مررت برجل وآخر، لم يدل إلا على معنى غير، لا على ذم ولا على مدح. وقال أبو البقاء : والأخرى توكيد، لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى. انتهى. وقيل : الأخرى صفة للعزى، لأنها ثانية اللات ؛ والثانية يقال لها الأخرى، وأخرت لموافقة رؤوس الآي. وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير تقديره : والعزى الأخرى، ومناة الثالثة الذليلة، وذلك لأن الأولى كانت وثناً على صورة آدمي، والعزى صورة نبات، ومناة صورة صخرة. فالآدمي أشرف من النبات، والنبات أشرف من الجماد. فالجماد متأخر، ومناة جماد، فهي في أخريات المراتب. والإشارة بتلك إلى قسمتهم، وتقديرهم : أن لهم الذكران، ولله تعالى البنات. وكانو يقولون : إن هذه الأصنام والملائكة بنات الله تعالى.
قال ابن عباس وقتادة : ضيزى : جائرة ؛ وسفيان : منقوصة ؛ وابن زيد : مخالفة ؛ ومجاهد ومقاتل : عوجاء ؛ والحسن : غير معتدلة ؛ وابن سيرين : غير مستوية، وكلها أقوال متقاربة في المعنى. وقرأ الجمهور :﴿ضِيزَى ﴾ من غير همز، والظاهر أنه صفة على وزن فعلى بضم الفاء، كسرت لتصح الياء. ويجوز أن تكون مصدراً على وزن فعلى، كذكرى، ووصف به. وقرأ ابن كثير : ضئزى بالهمز، فوجه على أنه مصدر كذكرى. وقرأ زيد بن علي : ضيزى بفتح الضاد وسكون الياء، ويوجه على أنه مصدر، كدعوى وصف به، أو وصف، كسكرى وناقة خرمى. ويقال : ضوزى بالواو وبالهمز، وتقدّم في المفردات حكاية لغة الهمز عن الكسائي. وأنشد الأخفش :
فإن تنأ عنها تقتضيك وإن تغبفسهمك مضؤوز وأنفك راغم
﴿إِنْ هِىَ إِلا أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ﴾ : تقدّم تفسير نظيرها في سورة هود، وفي سورة الأعراف. وقرأ الجمهور :﴿إِن يَتَّبِعُونَ﴾ بياء الغيبة ؛ وعبد الله وابن عباس وابن وثاب
١٦٢
وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر : بتاء الخطاب، ﴿إِلا الظَّنَّ﴾ : وهو ميل النفس إلى أحد معتقدين من غير حجة، ﴿وَمَا تَهْوَى﴾ : أي تميل إليه بلذة، وإنما تهوى أبداً ما هو غير الأفضل، لأنها مجبولة على حب الملاذ، وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل. ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ : توبيخ لهم، والذي هم عليه باطل واعتراض بين الجملتين، أي يفعلون هذه القبائح ؛ والهدى قد جاءهم، فكانوا أولى من يقبله ويترك عبادة من لا يجدي عبادته.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿أَمْ لِلانسَـانِ مَا تَمَنَّى ﴾ : هو متصل بقوله :﴿وَمَا تَهْوَى الانفُسُ﴾، بل للإنسان، والمراد به الجنس، ﴿مَا تَمَنَّى ﴾ : أي ما تعلقت به أمانيه، أي ليست الأشياء والشهوات تحصل بالأماني، بل لله الأمر. وقولكم : إن آلهتكم تشفع وتقرب زلفى، ليس لكم ذلك. وقيل : أمنيتهم قولهم :﴿وَلَـاِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى ﴾. وقيل : قول الوليد بن المغيرة :﴿لاوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا﴾. وقيل : تمنى بعضهم أن يكون النبي. ﴿فَلِلَّهِ الاخِرَةُ وَالاولَى ﴾ : أي هو مالكهما، فيعطي منهما ما يشاء، ويمنع من يشاء، وليس لأحد أن يبلغ منهما إلا ما شاء الله. وقدّم الآخرة على الأولى، لتأخرها في ذلك، ولكونها فاصلة، فلم يراع الترتيب الوجودي، كقوله :﴿وَإِنَّ لَنَا لَلاخِرَةَ وَالاولَى ﴾.


الصفحة التالية
Icon