تقدمت قصة لوط عليه السلام وقومه. والحاصب من الحصباء، وهو المعنيّ بقوله تعالى :﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾. ﴿إِلا ءَالَ لُوطٍ﴾، قيل : إلا ابنتاه، و﴿بِسَحَرٍ﴾ : هو بكرة، فلذلك صرف، وانتصب ﴿نِعْمَتَ﴾ على أنه مفعول من أجله، أي نجيناهم لإنعامنا عليهم أو على المصدر، لأن المعنى : أنعمنا بالتنجية إنعاماً. ﴿كَذَلِكَ نَجْزِى﴾ : أي مثل ذلك الإنعام والتنجية نجزي ﴿مَن شَكَرَ﴾ إنعامنا وأطاع وآمن. ﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا﴾ : أي أخذتنا لهم بالعذاب، ﴿فَتَمَارَوْا ﴾ : أي تشككوا وتعاطوا ذلك، ﴿بِالنُّذُرِ﴾ : أي بالإنذار، أو يكون جمع نذير. ﴿فَطَمَسْنَآ﴾، قال قتادة : الطمس حقيقة جر جبريل عليه السلام على أعينهم جناحه، فاستوت مع وجوههم. وقال أبو عبيدة : مطموسة بجلد كالوجه. قيل : لما صفقهم جبريل عليه السلام بجناحه، تركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب، حتى أخرجهم لوط عليه السلام. وقال ابن عباس والضحاك : هذه استعارة، وإنما حجب إدراكهم، فدخلوا المنزل ولم يروا شيئاً، فجعل ذلك كالطمس. وقرأ الجمهور : فطمسنا بتخفيف الميم ؛ وابن مقسم : بتشديدها. ﴿فَذُوقُوا ﴾ : أي فقلت لهم على ألسنة الملائكة : ذوقوا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧١
﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً﴾ : أي أول النهار وباكره، لقوله :﴿مُشْرِقِينَ﴾ و﴿مُّصْبِحِينَ﴾. وقرأ الجمهور : بكرة بالتنوين، أراد بكرة من البكر، فصرف. وقرأ زيد بن علي : بغير تنوين. ﴿عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾ : أي لم يكشفه عنهم كاشف، بل اتصل بموتهم، ثم بما بعد ذلك من عذاب القبر، ثم عذاب جهنم. ﴿فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ : توكيد وتوبيخ ذلك عند الطمس، وهذا عند تصبيح العذاب. قيل : وفائدة تكرار هذا، وتكرار ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا﴾، التجرد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين، للاتعاظ واستئناف التيقظ إذا سمعوا الحث على ذلك لئلا تستولي عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير لقوله :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن. وقوله :﴿وَيْلٌ يومئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير القصص في أنفسها، لتكون العبرة حاضرة للقلوب، مذكورة في كل أوان.
﴿وَلَقَدْ جَآءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾ : هم موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون، أو يكون جمع نذير المصدر بمعنى الإنذار. ﴿كَذَّبُوا بِاَايَاتِنَا﴾ هي التسع، والتوكيد هنا كهو في قوله :﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا﴾. والظاهر أن الضمير في :﴿كَذَّبُوا ﴾، وفي :﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ عائد على آل فرعون. وقيل : هو عائد على جميع من تقدم من الأمم ذكره، وتم الكلام عند قوله :﴿النُّذُرُ﴾. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ﴾ : لا يغالب، ﴿مُّقْتَدِرٍ﴾ : لا يعجز شيء. ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ : خطاب لأهل مكة، ﴿خَيْرٌ مِّنْ أُوالَئاِكُمْ﴾ : الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط، وإلى فرعون، والمعنى : أهم خير في القوّة وآلات الحروب والمكانة في الدنيا، أو أقل كفؤاً وعناداً ؟ فلأجل كونهم خيراً لا يعاقبون على الكفر بالله، وقفهم على توبيخهم، أي ليس كفاركم خيراً من أولئكم، بل هم مثلهم أو شرّ منهم، وقد علمتم ما لحق أولئك من الهلاك المستأصل لما كذبوا الرسل. ﴿أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ﴾ : أي ألكم في الكتب الإلهية براءة من عذاب الله تعالى ؟ قاله الضحاك وعكرمة وابن زيد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧١
﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ﴾ أي واثقون بجماعتنا، منتصرون بقوتنا، تقولون ذلك على سبيل الإعجاب بأنفسكم. وقرأ الجمهور : أم يقولون، بياء الغيبة التفاتاً، وكذا ما بعده للغائب. وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهشيم :
١٨٢