وقال ذو الرمة :
حي كأن رياض العف ألبسهامن وشي عبقر تحليل وتنجيد
وقال الخليل : العبقري : كل جليل نفيس من الرجال والنساء وغيرهم. الجلال : العظمة. قال الشاعر :
خبر ما قد جاءنا مستعملجل حتى دق فيه الأجل
﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الانسَـانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالارْضَ وَضَعَهَا لِلانَامِ * فِيهَا فَـاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الاكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
هذه السورة مكية في قول الجمهور، مدنية في قول ابن مسعود. وعن ابن عباس : القولان، وعنه : سوى آية هي مدنية، وهي :﴿يَسْـاَلُه مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ الآية. وسبب نزولها فيما قال مقاتل : أنه لما نزل ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـانِ﴾ الآية، قالوا : ما نعرف الرحمن،
١٨٧
فنزلت :﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾. وقيل : لما قالوا ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُه بَشَرٌ﴾، أكذبهم الله تعالى وقال :﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾. وقيل : مدنية نزلت، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح :﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ﴾.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر، ذكر شيئاً من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز. ولما ذكر قوله :﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير، فكأنه قيل : من المتصف بذلك ؟ فقال :﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة، وهو تعلىم القرآن الذي هو شفاء للقلوب. والظاهر أن ﴿الرَّحْمَـانُ﴾ مرفوع على الابتداء، ﴿عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ خبره. وقيل :﴿الرَّحْمَـانُ﴾ آية بمضمر، أي الله الرحمن، أو الرحمن ربنا، وذلك آية ؛ و﴿عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ استئناف إخبار. ولما عدّد نعمه تعالى، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم، ذكره بعد في قوله :﴿خَلَقَ الانسَـانَ﴾، ليعلم أنه المقصود بالتعليم. ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن، كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه. ثم ذكر تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير، والذي به يمكن قبول التعليم، وهو البيان. ألا ترى أن الأخرس لا يمكن أن يتعلم شيئاً مما يدرك بالنطق ؟ وعلم متعدّية إلى اثنين، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه، وهو جبريل، أو محمد عليهما الصلاة والسلام، أو الإنسان، أقوال. وتوهم أبو عبد الله الرازي أن المحذوف هو المفعول الثاني، قال : فإن قيل : لم ترك المفعول الثاني ؟ وأجاب بأن النعمة في التعليم، لا في تعليم شخص دون شخص، كما يقال : فلان يطعم الطعام، إشارة إلى كرمه، ولا يبين من يطعمه. انتهى. والمفعول الأول هو الذي كان فاعلاً قبل النقل بالتضعيف أو الهمزة في علم وأطعم.
وأبعد من ذهب إلى أن معنى ﴿عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ : جعله علامة وآية يعتبر بها، وهذه جمل مترادفة، أخبار كلها عن الرحمن، جعلت مستقلة لم تعطف، إذ هي تعداد لنعمه تعالى. كما تقول : زيد أحسن إليك، خوّلك : أشار بذكرك، والإنسان اسم جنس. وقال قتادة الإنسان : آدم عليه السلام. وقال ابن كيسان : محمد صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن زيد والجمهور :﴿الْبَيَانَ﴾ : المنطق، والفهم : الإبانة، وهو الذي فضل به الإنسان على سائر الحيوان. وقال قتادة : هو بيان الحلال والشرائع، وهذا جزء من البيان العام. وقال محمد بن كعب : ما يقول وما يقال له. وقال الضحاك : الخير والشر. وقال ابن جريج : الهدى. وقال يمان : الكتابة. ومن قال : الإنسان آدم، فالبيان أسماء كل شيء، أو التكلم بلغات كثيرة أفضلها العربية، أو الكلام بعد أن خلقه، أو علم الدنيا والآخرة، أو الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء، أقوال، آخرها منسوب لجعفر الصادق.


الصفحة التالية
Icon