وقرأ الجمهور :﴿رَبُّ﴾، و﴿رَبُّ﴾ بالرفع، أي هو رب ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بالخفض بدلاً من ربكما، وثنى المضاف إليه لأنهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما، قاله مجاهد. وقيل : مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما. وعن ابن عباس : للشمس مشرق في الصيف مصعد، ومشرق في الشتاء منحدر، تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة. انتهى. فالمشرقان والمغربان للشمس. وقيل : المشرقان : مطلع الفجر ومطلع الشمس، والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس. ولسهل التستري كلام في المشرقين والمغربين شبيه بكلام الباطنية المحرفين مدلول كلام الله، ضربنا عن ذكره صفحاً. وكذلك ما وقفنا عليه من كلام الغلاة الذين ينسبون للصوفية، لأنا لا نستحل نقل شيء منه. وقد أولغ صاحب كتاب التحرير والتحبير بحسب ما قاله هؤلاء الغلاة في كل آية آية، ويسمي ذلك الحقائق، وأرباب القلوب وما ادعوا فهمه في القرآن فأغلوا فيه، لم يفهمه عربي قط، ولا أراده الله تعالى بتلك الألفاظ، نعوذ بالله من ذلك.
مرج البحرين : تقدم الكلام على ذلك في الفرقان. قال ابن عطية : وذكر الثعلبي في مرج البحرين ألغازاً وأقوالاً باطنة لا يلتفت إلى شيء منها. انتهى، والظاهر التقاؤهما، أي يتجاوزان، فلا فصل بين الماءين في رؤية العين. وقيل : يلتقيان في كل سنة مرة. وقيل : معدان للالتقاء، فحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ بينهما. ﴿بَرْزَخٌ﴾ : أي حاجز من قدرة الله تعالى، ﴿لا يَبْغِيَانِ﴾ : لا يتجاوزان حدهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممارجة. وقيل : البرزخ : أجرام الأرض، قاله قتادة ؛ وقيل : لا يبغيان : أي على الناس والعمران، وعلى هذا والذي قبله يكون من البغي. وقيل : هو من بغى، أي طلب، فالمعنى : لا يبغيان حالاً غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها. وقيل : ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح، بل هو بذاته باق فيه. وقال ابن عطية : والعيان لا يقتضيه. انتهى، يعني أنه يشاهد الماء العذب يختلط بالملح فيبقي كله ملحاً، وقد يقال : إنه بالاختلاط تتغير أجرام العذب حتى لا تظهر، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة، والمعقول يشهد بذلك، لأن تداخل الأجسام غير ممكن، لكن التفرق والالتقاء ممكن. وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي، رحمه الله تعالى :
وممزوجة الأمواه لا العذب غالبعلى الملح طيباً لا ولا الملح يعذب
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
وقرأ الجمهور :﴿يَخْرُجُ﴾ مبنياً للفاعل ؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنياً للمفعول ؛ والجعفي، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء، أي يخرج الله ؛ وعنه وعن أبي عمرو، وعن ابن مقسم : بالنون. واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين. والظاهر في ﴿مِنْهُمَا﴾ أن ذلك يخرج من الملح والعذب. وقال بذلك قوم، حكاه الأخفش. ورد الناس هذا القول، قالوا : والحس يخالفه، إذ لا يخرج إلا من الملح، وعابوا قول الشاعر :
فجاء بها ما شئت من لطيمةعلى وجهها ماء الفرات يموج
وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فناسب إسناد ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر، فلذلك قال ﴿مِنْهُمَا﴾. وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح، لكنه قال ﴿مِنْهُمَا﴾ تجوزاً. وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح، فهو كما يقال ؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى. وقال ابن عطية، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، كما قال :﴿سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾،
١٩١