وإنما هو في إحداهن، وهي الدنيا إلى الأرض. وقال الزمخشري نحواً من قول ابن عطية، قال : فإن قلت : لم قال ﴿مِنْهُمَا﴾، وإنما يخرجان من الملح قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد، جاز أن يقال : يخرجان منهما، كما يقال : يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميع البحر، ولكن من بعضه. وتقول : خرجت من البلد، وإنما خرجت من محلة من محالة، بل من دار واحدة من دوره. وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف، والتقدير : يخرج من أحدهما، كقوله تعالى :﴿عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ : أي من إحدى القريتين. وقيل : هما بحران، يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان. وقال أبو عبد الله الرازي : كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس، ومن أعلم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب، وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح. ولكن لم قلتم إن الصدف لا يخرج بأمر الله من الماء العذب إلى الماء الملح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد، فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ؟ واللؤلؤ، قال ابن عباس والضحاك وقتادة : كبار الجوهر ؛ والمرجان صغاره. وعن ابن عباس أيضاً، وعلي ومرة الهمداني عكس هذا. وقال أبو عبد الله وأبو مالك : المرجان : الحجر الأحمر. وقال الزجاج : حجر شديد البياض. وحكي القاضي أبو يعلى أنه ضرب من اللؤلؤ، كالقضبان، والمرجان : اسم أعجميّ معرب. قال ابن دريد : لم أسمع فيه نقل متصرف، وقال الأعشى :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
من كل مرجانة في البحر أحرزهاتيارها ووقاها طينها الصدف
قيل : أراد اللؤلؤة الكبيرة. وقرأ طلحة : اللؤلؤ بكسر اللام الثالثة، وهي لغة. وعبد اللولي : تقلب الهمزة المتطرفة ياء ساكنة بعد كسرة ما قبلها، وهي لغة، قاله أبو الفضل الرازي. ﴿وَلَهُ﴾ : خص تعالى الجواري بأنها له، وهو تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهن، لأنهم لما كانوا هم منشئيها، أسندها تعالى إليه، إذ كان تمام منفعتها إنما هو منه تعالى، فهو في الحقيقة مالكها. والجواري : السفن. وقرأ عبد الله والحسن وعبد الوارث، عن أبي عمرو : بضم الراء، كما قالوا في شاك شاك. وقرأ الجمهور ؛ بفتح الشين، اسم مفعول : أي أنشأها الله، أو الناس، أو المرفوعات الشراع. وقال مجاهد : ما له شراع من المنشآت، وما لم يرفع له شراع، فليس من المنشآت. والشراع : القلع. والأعمش وحمزة وزيد بن علي وطلحة وأبو بكر : بخلاف عنه، بكسر الشين : أي الرافعات الشراع، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن، أو التي تنشىء السفر إقبالاً وإدباراً. وشدد الشين ابن أبي عبلة والحسن المنشأة، وحد الصفة، ودل على الجمع الموصوف، كقوله :﴿فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾، وقلب الهمزة ألفاً على حد قوله :
إن السباع لتهدي في مرابضها
يريد : لتهدأ، التاء لتأنيث الصفة، كتبت تاء على لفظها في الوصل. ﴿كَالاعْلَـامِ﴾ : أي كالجبال والآكام، وهذا يدل على كبر السفن حيث شبهها بالجبال، وإن كانت المنشآت تنطلق على السفينة الكبيرة والصغيرة. وعبر بمن في قوله :﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا﴾ تغليباً لمن يعقل، والضمير في ﴿عَلَيْهَا﴾ قليل عائد على الأرض في قوله :﴿وَالارْضَ وَضَعَهَا لِلانَامِ﴾، فعاد الضمير عليها، وإن كان بعد لفظها. والفناء عبارة عن إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره، والوجه يعبر به عن حقيقة الشيء، والجارجة منتفية عن الله تعالى، ونحو كل شيء هالك إلا وجهه. وتقول صعاليك مكة : أين وجه عربي كريم يجود عليّ ؟ وقرأ الجمهور : ذو بالواو، وصفة للوجه ؛ وأبي وعبد الله : ذي بالياء، صفة للرب. والظاهر أن الخطاب في قوله :﴿وَجْهُ رَبِّكَ﴾ للرسول، وفيه تشريف عظيم له صلى الله عليه وسلّم. وقيل :
١٩٢
الخطاب لكل سامع. ومعنى ﴿ذُو الْجَلَـالِ﴾ : الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم، أو الذي يتعجب من جلاله، أو الذي عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿يَسْـاَلُه مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ : أي حوائجهم، وهو ما يتعلق بمن في السموات من أمر الدين وما استعبدوا به، ومن في الأرض من أمر دينهم ودنياهم. وقال أبو صالح : من في السموات : الرحمة، وسن في الأرض : المغفرة والرزق. وقال ابن جريج : الملائكة الرزق لأهل الأرض، والمغفرة وأهل الأرض يسألونهما جميعاً. والظاهر أن قوله : يسأله استئناف إخبار. وقيل : حال من الوجه، والعامل فيه يبقى، أي هو دائم في هذه الحال. انتهى، وفيه بعد. ومن لا يسأل، فحاله تقتضي السؤال، فيصح إسناد السؤال إلى الجميع باعتبار القدر المشترك، وهو الافتقار إليه تعالى.