﴿كُلَّ يَوْمٍ﴾ : أي كل ساعة ولحظة، وذكر اليوم لأن الساعات واللحظات في ضمنه. ﴿هُوَ فِى شَأْنٍ﴾، قال ابن عباس : في شأن يمضيه من الخلق والرزق والإحياء والإماتة. وقال عبيد بن عمير : يجيب داعياً، ويفك عانياً، ويتوب على قوم، ويغفر لقوم. وقال سويد بن غفلة : يعتق رقاباً، ويعطي رغاماً ويقحم عقاباً. وقال ابن عيينة : الدهر عند الله يومان، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا، فشأنه فيه الأمر والنهى والإمانة والإحياء ؛ والثاني الذي هو يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب. وعن مقاتل : نزلت في اليهود، فقالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً. وقال الحسين بن الفضل، وقد سأله عبد الله بن طاهر عن قوله :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ : وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال : شؤون يبديها، لا شؤون يبتديها. وقال ابن بحر : هو في يوم الدنيا في الابتلاء، وفي يوم القيامة في الجزاء. وانتصب ﴿كُلَّ يَوْمٍ﴾ على الظرف، والعامل فيه العامل في قوله :﴿فِى شَأْنٍ﴾، وهو مستقر المحذوف، نحو : يوم الجمعة زيد قائم.
قوله عز وجل :﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَـامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالانسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ فَانفُذُوا ا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَـانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَـاِذٍ لا يُسْـاَلُ عَن ذَنابِهِا إِنسٌ وَلا جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاقْدَامِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَـاذِهِا جَهَنَّمُ الَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِا جَنَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَـاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِـاِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآاِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍا وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
لما ذكر تعالى ما أنعم به من تعليم العلم وخلق الإنسان والسماء والأرض وما أودع فيهما وفناء ما على الأرض، ذكر ما يتعلق بأحوال الآخرة الجزاء وقال :﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ : أي ننظر في أموركم يوم القيامة، لا أنه تعالى كان له شغل فيفرغ منه. وجرى على هذا كلام العرب في أن المعنى : سيقصد لحسابكم، فهو استعارة من قول الرجل لمن يتهدده : سأفرغ لك، أي سأتجرد للإيقاع بك من كل ما شغلني عنه حتى لا يكون لي شغل سواه، والمراد التوفر على الانتقام منه. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا، والأول أبين. انتهى، يعني : أن يكون ذلك يوم القيامة. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا ويبلغ آخرها، وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾، فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل. انتهى. والذي عليه أئمة اللغة أن فرغ تستعمل عند انقضاء الشغل الذي كان الإنسان مشتغلاً به، فلذلك احتاج قوله إلى التأويل على أنه قد قد قيل : إن فرغ يكون بمعنى قصد واهتم، واستدل على ذلك بما أنشده ابن الأنباري لجرير :
الآن وقد فرغت إلى نميرفهذا حين كنت لهم عذابا
أي : قصدت. وأنشد النحاس :
فرغت إلى العبد المقيد في الحجل


الصفحة التالية
Icon