وفي الحديث :"فرغ ربك من أربع"، وفيه :"لأتفرغن إليك يا خبيث"، يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلّم إرب العقبة يوم بيعتها : أي لأقصدن إبطال أمرك، نقل هذا عن الخليل والكسائي والفراء. وقرأ الجمهور : سنفرغ بنون العظمة وضم الراء، من فرغ بفتح الراء، وهي لغة الحجاز ؛ وحمزة والكسائي وأبو حيوة وزيد بن علي : بياء الغيبة ؛ وقتادة والأعرج : بالنون وفتح الراء، مضارع فرغ بكسرها، وهي تميمية ؛ وأبو السمال وعيسى : بكسر النون وفتح الراء. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر ؛ والأعمش وأبو حيوة بخلاف عنهما ؛ وابن أبي عبلة والزعفراني : بضم الياء وفتح الراء، مبنياً للمفعول ؛ وعيسى أيضاً : بفتح النون وكسر الراء ؛ والأعراج أيضاً : بفتح الياء والراء، وهي رواية يونس والجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو. والثقلان : الإنس والجن، سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض، أو لكونهما مثقلين بالذنوب، أو لثقل الإنس. وسمي الجن ثقلاً لمجاورة الإنس، والثقل : الأمر العظيم. وفي الحديث :"إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي"، سميا بذلك لعظمهما وشرفهما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
والظاهر أن قوله : الآية من خطاب الله إياهم يوم القيامة، ﴿أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾. وقيل : يقال لهم ذلك. قال الضحاك : يفرون في أقطار الأرض لما يرون من الهول، فيجدون الملائكة قد أحاطت بالأرض، فيرجعون من حيث جاءوا، فحينئذ يقال لهم ذلك. وقيل : هو خطاب في الدنيا، والمعنى : إن استطعتم الفرار من الموت. وقال ابن عباس :﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ بأذهانكم وفكركم، ﴿أَن تَنفُذُوا ﴾، فتعلمون علم ﴿أَقْطَارِ﴾ : أي جهات ﴿السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾. قال الزمخشري :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ﴾، كالترجمة لقوله :﴿أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾، ﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ أن تهربوا من قضائي، وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي فافعلوا ؛ ثم قال : لا تقدرون على النفوذ ﴿إِلا بِسُلْطَـانٍ﴾، يعني : بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك، ونحوه :﴿وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِى الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ﴾. انتهى. ﴿فَانفُذُوا ﴾ : أمر تعجيز. وقال قتادة : السلطان هنا الملك، وليس لهم ملك. وقال الضحاك أيضاً : بينما الناس في أسواقهم، انفتحت السماء ونزلت الملائكة، فتهرب الجن والإنس، فتحدق بهم الملائكة. وقرأ زيد بن علي : إن استطعتما، على خطاب تثنية الثقلين ومراعاة الجن والإنس ؛ والجمهور : على خطاب
١٩٤
الجماعة إن استطعتم، لأن كلاً منهما تحته أفراد كثيرة، كقوله :﴿وَإِن طَآاِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾.
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ﴾، قال ابن عباس : إذا خرجوا من قبورهم، ساقهم شواظ إلى المحشر. والشواظ : لهب النار. وقال مجاهد : اللهب الأحمر المنقطع. وقال الضحاك : الدخان الذي يخرج من اللهب. وقرأ الجمهور : شواظ، بضم الشين ؛ وعيسى وابن كثير وشبل : بكسرها. والجمهور ؛ ﴿وَنُحَاسٌ﴾ : بالرفع ؛ وابن أبي إسحاق والنخعي وابن كثير وأبو عمرو : بالجر ؛ والكلبي وطلحة ومجاهد : بكسر نون نحاس والسين. وقرأ ابن جبير : ونحس، كما تقول : يوم نحس. وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق أيضاً : ونحس مضارعاً، وماضيه حسه، أي قتله، أي ويحس بالعذاب. وعن ابن أبي إسحاق أيضاً : ونحس بالحركات الثلاث في الحاء على التخيير ؛ وحنظلة بن نعمان : ونحس بفتح النون وكسر السين ؛ والحسن وإسماعيل : ونحس بضمتين والكسر. وقرأ زيد بن علي : نرسل بالنون، عليكما شواظاً بالنصب، من نار ونحاساً بالنصب عطفاً على شواظاً. قال ابن عباس وابن جبير والنحاس : الدخان ؛ وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد : هو الصفر المعروف، والمعنى : يعجز الجن والإنس، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا، فلا يقدر على الامتناع مما يرسل عليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ﴾ : جواب إذا محذوف، أي فما أعظم الهول، وانشقاقها : انفطارها يوم القيامة. ﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً﴾ : أي محمرة كالورد. قال ابن عباس وأبو صالح : هي من لون الفرس الورد، فأنث لكون السماء مؤنثة. وقال قتادة : هي اليوم زرقاء، ويومئذ تغلب عليها الحمرة كلون الورد، وهي النوار المعروف، قاله الزجاج، ويريد كلون الورد، وقال الشاعر :
فلو كانت ورداً لونه لعشقتنيولكن ربي شانني بسواديا
وقال أبو الجوزاء : وردة صفراء. وقال : أما سمعت العرب تسمي الخيل الورد ؟ قال الفراء : أراد لون الفرس الورد، يكون في الربيع إلى الصفرة، وفي الشتاء إلى الحمرة، وفي اشتداد البرد إلى الغبرة، فشبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل، وهذا قول الكلبي. ﴿كَالدِّهَانِ﴾، قال ابن عباس : الأديم الأحمر، ومنه قول الأعشى :
وأجرد من كرام الخير طرفكأن على شواكله دهاناً


الصفحة التالية
Icon