وقال الشاعر : كالدهان المختلفة، لأنها تتلون ألواناً. وقال الضحاك : كالدهان خالصة، جمع دهن، كقرط وقراط. وقيل : تصير حمراء من حرارة جهنم، ومثل الدهن لذوبها ودورانها. وقيل : شبهت بالدهان في لمعانها. وقال الزمخشري :﴿كَالدِّهَانِ﴾ : كدهن الزيت، كما قال :﴿كَالْمُهْلِ﴾، وهو دردي الزيت، وهو جمع دهن، أو اسم ما يدهن به، كالحرام والأدام، قال الشاعر :
كأنهما مزادتا متعجلفريان لما سلعا بدهان
وقرأ عبيد بن عمير : وردة بالرفع بمعنى : فحصلت سماء وردة، وهو من الكلام الذي يسمى التجريد، كقوله :
فلئن بقيت لأرحلن بغزوةنحو المغانم أو يموت كريم
انتهى.
﴿فَيَوْمَـاِذٍ﴾ : التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة، والتقدير : فيوم إذ انشقت السماء، والناصب ليومئذ ﴿لا يُسْـاَلُ﴾، ودل هذا على انتفاء السؤال، ووقفوهم أنهم مسئولون وغيره من الآيات على وقوع السؤال. فقال عكرمة وقتادة : هي مواطن يسأل في بعضها. وقال ابن عباس : حيث ذكر السؤال فهو سؤال توبيخ وتقرير، وحيث نفي فهي استخبار محض عن الذنب، والله تعالى أعلم بكل شيء. وقال قتادة أيضاً : كانت مسألة، ثم ختم على الأفواه وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يعملون. وقال أبو العالية وقتادة : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد :
١٩٥
ولا جأن بالهمز، فراراً من التقاء الساكنين، وإن كان التقاؤهما على حده. وقرأ حماد بن أبي سليمان : بسيمائهم ؛ والجمهور :﴿بِسِيمَـاهُمْ﴾، وسيما المجرمين : سواد الوجوه وزرقة العيون، قاله الحسن، ويجوز أن يكون غير هذا من التشويهات، كالعمى والبكم والصمم. ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالاقْدَامِ﴾، قال ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدميه فيوطأ، ويجمع كالحطب، ويلقى كذلك في النار. وقال الضحاك : يجمع بينهما في سلسلة من وراء ظهره. وقيل : تسحبهم الملائكة، تارة تأخذ بالنواصي، وتارة بالأقدام. وقيل : بعضهم سحباً، بالناصية، وبعضهم سحباً بالقدم ؛ ويؤخذ متعد إلى مفعول بنفسه، وحذف هذا الفاعل والمفعول، وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مضمناً معنى ما يعدى بالباء، أي فيسحب بالنواصي والأقدام، وأل فيهما على مذهب الكوفيين عوض من الضمير، أي بنواصيهم وأقدامهم، وعلى مذهب البصريين الضمير محذوف، أي بالنواصي والأقدام منهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿هَـاذِهِا جَهَنَّمُ﴾ : أي يقال لهم ذلك على طريق التوبيخ والتقريع. ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا﴾ : أي يتردّدون بين نارها وبين ما غلى فيها من مائع عذابها. وقال قتادة : الحميم يغلي منذ خلق الله جهنم، وآن : أي منتهى الحر والنضج، فيعاقب بينهم وبين تصلية النار، وبين شرب الحميم. وقيل : إذا استغاثوا من النار، جعل غياثهم الحميم. وقيل : يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه، وقد أحدث الله لهم خلقاً جديداً. وقرأ علي والسلمي : يطافون ؛ والأعمش وطلحة وابن مقسم : يطوفون بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة. وقرىء : يطوفون، أي يتطوفون ؛ والجمهور : يطوفون مضارع طاف.
قوله تعالى :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِا جَنَّتَانِ﴾، قال ابن الزبير : نزلت في أبي بكر. ﴿مَقَامَ رَبِّهِ﴾ مصدر، فاحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل، أي قيام ربه عليه، وهو مروي عن مجاهد، قال : من قوله :﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآاِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ﴾، أي حافظ مهيمن، فالعبد يراقب ذلك، فلا يجسر على المعصية. وقيل : الإضافة تكون بأدنى ملابسة، فالمعنى أنه يخاف مقامه الذي يقف فيه العباد للحساب، من قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾، وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف. وقيل : مقام مقحم، والمعنى : ولمن خاف ربه، كما تقول : أخاف جانب فلان يعني فلاناً. والظاهر أن لكل فرد فرد من الخائفين ﴿جَنَّتَانِ﴾، قيل : إحداهما منزله، والأخرى لأزواجه وخدمه. وقال مقاتل : جنة عدن، وجنة نعيم. وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته. وقيل : هما للخائفين ؛ والخطاب للثقلين، فجنة للخائف الجني، وجنة للخائف الإنسي. وقال أبو موسى الأشعري : جنة من ذهب للسابقين، وجنة من فضة للتابعين. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، لأن التكليف دائر عليهما. وأن يقال : جنة يبات بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل لقوله وزيادة ؛ وخص الأفنان بالذكر جمع فنن، وهي الغصون التي تتشعب عن فروع الشجر، لأنها التي تورق وتثمر، ومنها تمتد الظلال، ومنها تجنى الثمار. وقيل : الأفنان جمع فن، وهي ألوان النعم وأنواعها، وهي قول ابن عباس، والأول قال قريباً منه مجاهد وعكرمة، وهو أولى، لأن أفعالاً في فعل أكثر منه في فعل بسكون العين، وفن يجمع على فنون.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤


الصفحة التالية
Icon